Facebook RSS
ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ رسالتنا ارسل مقالاً اتصل بنا

حدود دولة فلسطين

إن حدود دولة فلسطين المائية تم تحديدها وترسيمها مع الخرائط التي تم إيداعها لدى جامعة الدول العربية والجمعية العامة للأمم المتحدة. كما تم إعلان هذه المنطقة بأنها مناطق اقتصادية وغنية بالثروات وهي جزء أصيل من الأراضي الفلسطينية.
مسألة  ترسيم حدود فلسطين المائية في البحر المتوسط  كان يتم العمل عليها منذ فترة طويلة لأن حدود فلسطين المائية غير مرسمة في البحر الأبيض المتوسط وتقرر ترسيم الحدود التي قد تصل في العمق إلى عشرات الأميال في المتوسط.
رياض منصور

من كتاب "بعدك على بالي"( عن ياسر عرفات في طرابلس) كما يكتب #طلال_شتوي

نشر بتاريخ: أمس

من كان يتخيّل أن الخروج الدراماتيكي لمنظمة التحرير الفلسطينية من بيروت صيف 1982، سيتكرر في الكثير من تفاصيله الحزينة غروب الثلاثاء 20 كانون الأول عام 1983، ولكن من طرابلس؟!

انها حكاية "الختيار والبحر" (عنوان رواية شهيرة لأرنست همنغواي)، و"الختيار" هو اللقب الحميم لأبي عمار، والبحر واحد، سواء بحر بيروت أو بحر طرابلس! أنه البحر الذي رمى فيه العرب فلسطين بدلا من أن يرموا العدو...كما رددوا في الزمن الرومنسي الغابر!!

لقد تسارعت الأحداث السياسية والعسكرية في طرابلس التي شهدت، على مدى أربعين يوما تقريبا، أعنف الحروب. وحصل أول انشقاق دموي في صفوف الثورة الفلسطينية، وظهر "أبو موسى" مقابل "أبو عمار"، وكانت المدافع والأتهامات المتبادلة بالخيانة، هي لغة الحوار الوحيدة!

زرت طرابلس، أنا وحسن، 4 مرات خلال تلك الحروب. وفي كل زيارة كنت أنقل صرخة المدينة التي احتضنت قضايا العرب عبر تاريخها...والتي تحترق في حروب الفلسطينيين مع الفلسطينيين، وفي حروب الفلسطينيين والسوريين، وفي الحروب بالوكالة التي تورط فيها جزء من أبنائها، كالعادة!

لقد نزح معظم سكان المدينة في ذلك الشتاء الى زغرتا والضنية والكورة والمنتجعات البحرية على طريق بيروت. صارت المدينة مقفرة لا نجد فيها سوى المسلحين والمقاتلين، وبسطات وأكشاك مستحدثة لتبديل العملات الصعبة تعرض ساعات يد ومحافظ جلدية وهدايا رخيصة تحمل اسماء ماركات عالمية مقلّدة...

اضطر ابوعمار، بعد سيطرة قوات ابو موسى على مخيم البارد ومحاصرة مخيم البدّاوي، الى الأحتماء في عمق طرابلس، متنقلا بسرّية من بيت الى بيت، في الزاهرية وشارع عزمي وطريق المئتين ومتفرعات التل وصولا الى الميناء.

واضطر رشيد كرامي، الذي عجز عن اطفاء الحريق، الى مغادرة طرابلس والأقامة في أحد قصور الضيافة الرئاسية في دمشق. وقد تعرّض كرامي للكثير من التشكيك في مواقفه... لكن زعيم طرابلس ورجل الدولة المحنّك، ما لبث أن أذهل كل المشكّكين، حين أطلق نداءه التاريخي مناشدا الرئيس الرئيس حافظ الأسد و"الأخ" ياسر عرفات، بتوفير الدماء والسلاح من أجل معركة الأمة لتحرير القدس...وليس لتحرير مخيم البدّاوي!!

كان رشيد كرامي ضمير طرابلس، وضمير القضية الفلسطينية، وضمير العروبة...في ذلك الموقف الجريء الذي رفع فيه الغطاء الطرابلسي عن الجميع، ودفع بأتجاه التسويات التي تنهي المأساة. الأسد وصف كرامي بأنه "الرجل/ الأستثناء"، وعرفات قال في مجالسه: لم يغلبني سياسي لبناني كما فعل رشيد كرامي!

واتجهت الى طرابلس عشرات البواخر تحمل الأسلحة والذخائر والمقاتلين وقوافل الصحافيين والمراسلين من كل أنحاء العالم! صارت المدينة ساحة حرب. وأذكر الصور المرّوعة التي التقطناها لشاحنة من الشاحنات المبرّدة التي اكتظت فيها جثث القتلى في أكياس النايلون، أمام المستشفى الأسلامي. كانت جثثا بلا أهل! وكان المشهد فظيعا في الأجواء الضبابية التي نشرتها أدخنة الحرائق المتصاعدة من خزانات الوقود في مصفاة طرابلس.

كانت التحقيقات التي أجريتها في أرض المعارك من النوع الأجرأ! لقد سمّينا الأمور بأسمائها، وتسبّب ذلك بمنع دخول أعداد "الأفكار" الى عدة دول عربية. وأعتقد أنني أختصرت كلّ المأساة بعنوان أذكره حتى اليوم: "في طرابلس: نار العرب! ماء العرب!"...

وتحدّد موعد مغادرة "ابو عمار" مع أربعة آلاف مقاتل يوم الأحد على متن 5 سفن يونانية الجنسية ودولية الراية وفرنسية الحماية. كان ذلك عقب مبادرة سعودية/ سورية بضمانات دولية واقليمية.

وتأجلّ الموعد من الأحد الى غروب الثلاثاء. لقد دخلت اسرائيل على الخط، ولاحقت طائراتها وبوارجها الصيد الثمين المتمثل بشخص ياسر عرفات، من شارع الى شارع، ومن بناية الى بناية، وصولا الى استهداف احدى السفن اليونانية الراسية في مرفأ طرابلس، اعتقادا بأن عرفات قد اختارها في طريقه الى اليمن أو الى الجزائر.

في ذلك العمر، دفعتني حماسات البدايات، الى السعي لأجراء اللقاء الصحافي الأخير مع "الختيار"! لم يكن قد أدلى بأي حديث لأي وسيلة اعلامية. وكانت المدينة تحتضن أكثر من 500 صحافي من كل أنحاء الكوكب، تمترسوا في أحد شوارع الزاهرية، وعاشوا يوميات "حربية" قلّ فيها النوم وشحّ الطعام... ولم يكفّوا عن ملاحقة "ابو عمار"، لكنهم لم يفوزوا منه الا بتصاريح خاطفة. كان الزعيم المحاصر في طرابلس يظهر بشكل مفاجىء وسط الصحافيين، ثم لا يلبث أن يختفي بشكل مفاجىء خلال دقائق!

لم أكن أعرف أنني بصدد الحصول على "السبق الصحافي" الأول، وربما الأهم، في حياتي المهنية... كلّ ما خطر لي هو أنني لن أعود الى بيروت دون حوار مع أبي عمّار! ولكن كيف أصل اليه؟!

لمعت في رأسي فكرة مجنونة!

قصدت السياسي الطرابلسي المعروف ورجل الأعمال الشهير واصف فتال، او "أبو السعد" كما هو لقبه المحبب، وكان أبرز الوجوه في هيئة التنسيق الشمالية والمكلّف من رشيد كرامي بمتابعة المفاوضات مع أطراف الصراع، في محاولة شبه يائسة لتجنيب المدينة الدمار والويلات. والأهم أن العزيز "ابو السعد" كان يحبني ويعرفني ولا يخفي اعجابه بنجاحي السريع في اقتحام الصحافة البيروتية...

وبكل "بر اءة"، اقترحت عليه تشكيل وفد طرابلسي "رسمي" لتوديع "أبو عمّار" قبل ركوبه البحر، واشترطت متمنيا: ستضمني الى الوفد بصفة "مرافق"! وضحك واصف بك وقد فهم "اللعبة": وهل هذا منظر مرافق؟ من سيصدّق؟ ماشي الحال...

وغزونا ياسر عرفات في احدى الشقق السرّية في شارع عزمي. دخلنا عليه في غرفة تبدو غرفة مكتب، وكان لا يزال مستلقيا على كنبة جلدية سوداء، متخففا من الكوفية والملابس العسكرية المعتادة! بلمح البصر، انتفض الرجل بعينين حمراوين منهكتين، واستعاد مظهر القائد، في حين راح حسن يلتقط عشرات الصور بدون أذن من أحد!

كان أبو عمّار "يستريح" تحت حراسة البنادق! نسي وفد الوداع وانتبه أنني صحافي وأنه وقع في دائرة الضوء...ولا أعرف حتى اللحظة لماذا لم يغضب ولم يطردني، أنا وحسن، الى الخارج!

أول رد فعل له كان: من أي جريدة أنتم؟ أجبته بسرعة: "الأفكار". وفاجأني! بل صعقني: "انتو بتوع ليبيا"!!

سمعت جلبة استنفار الحرّاس و"خرطشة" البنادق! لم التفت! كانت لحظة مصيرية! لم يكن حرّاس "ابو عمّار" ليترددوا، في تلك اللحظات المشحونة بالتوتر، في اطلاق النار على صحافي ومصوّر "بتوع ليبيا"... ووجدت نفسي أصرخ بأعلى صوتي: ابدا، نحن "بتوع السعودية"!

في الحقيقة، لم أكن أعرف نحن "بتوع" من! كلّ ما عرفته هو أنني مضطر لأجتراح الجواب المنقذ... والذي أثار ضحك الزعيم الفلسطيني، وهدأت البنادق!

لم يكن قد قرر منحي حديث الوداع. عاجلته ممازحا: أنت أمام خيارين، اما أن تطلق النار عليّ من هذه البندقية على يمين مكتبك، واما أن أفتح آلة التسجيل! وضحك مجددا، وقال لي: افتح الآلة ... ولكن أنا من سيضغط على زر التوقف عن الكلام!

عرفت أن "الختيار" استيقظ صبيحة ذلك اليوم بعد ليلة مرهقة ونوم قليل. تصفّح عناوين الجرائد، وطلب ترويقته الطرابلسية الأخيرة: "كعكة بكنافة" من محلات رفعت الحلاب.

كان حزينا. قال لرشيد كرامي في اتصال هاتفي أخير بينهما: "لن أخذل أهلي في طرابلس! أنت المفوّض و"تمون" على الرقاب"! لكنه رفض أن يقارن خروجه من بيروت بخروجه من طرابلس. قال لي: اسرائيل هزمتني في بيروت! أما في طرابلس فقد هزمني العرب!

سألته عن دموعه قبل ساعات، حين كان في جولة على المواقع القتالية وفوجىء بفتى فلسطيني يقاتل وهو دون الخامسة عشرة! نظر اليّ بمرارة وسألني: من قال لك أن دموعي غلبتني؟ هل رأيتها أنت؟! وأجبته: هناك من رآها! أشاح بعينيه وهو يقول: لا تنشر مثل هذا الكلام... القائد لا يبكي!

وأكمل ابو عمّار وكأنه يحدّث نفسه: لماذا هذه التراجيديا في طرحك للأمور؟ انها مجرد مرحلة من مراحل آلام الشعب الفلسطيني الطويلة!

وصمت للحظات ثم أردف: هل تعرف؟ ليس هناك تراجيديا أكبر من حصار برّي عربي يقابله حصار بحري اسرائيلي! معك حق...انها التراجيديا!

يومها ختمت بسؤال: الى أين؟

وضغط على زر آلة التسجيل وهو يدلي بالجواب الأخير الذي سيكون عنوان الغلاف: الى موقع نضالي جديد في الطريق الى فلسطين...

ستبقى هذه المغامرة الصحافية من أمتع ما قمت به في حياتي المهنية. لا أنكر أنني أحببت "ابو عمّار"! ومن بوسعه أن يلتقي به ولا يحبّه؟! لقد "سحرني"...

قال لي قبل أن أغادر الى بيروت وبحوزتي "السبق الكبير": ليتك كنت ابن قرية فلسطينية... ان ما فعلته معي فيه روح "الفدائي"!

وقبيل الخامسة من غروب ذاك اليوم، أبحرت السفينة الخامسة والأخيرة من ميناء طرابلس، وعلى متنها ختيار القضية الفلسطينية، الذي ترك خلفه السؤال الحزين: لماذا لم يرفع يده بأشارة النصر كما في كل ظهور له أمام الجمهور والكاميرات؟!

سؤال، أجابت عنه الأيام!

Developed by