نشر بتاريخ: أمس
تتنوع الأفكار من حولنا وتختلف، فمنها النافع المثمر، ومنها الضار الهدام، فالفكر المثمر المتمثل في الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش وقيم الخير يتم من خلاله بناء الإنسان والمجتمعات وازدهار الأوطان، في المقابل فإن الفكر الضار المنحرف بعكس ما تقدم، فهو يسعى لزعزعة أمن واستقرار المجتمعات بنشر سموم الأفكار، التي تهدم ولا تبني من خلال غرسها في عقول الشباب بقصد الإضرار بالأوطان.
وفي واقع الأمر أصبحت الحرب الفكرية أكثر خطراً وفتكاً من الحروب التي تستخدم فيها الأسلحة والمعدات الثقيلة، وقد ساعد في ذلك وجود الإنترنت والأجهزة الحديثة والاتصالات العابرة للحدود من وسائل التواصل الحديثة والمتطورة التي تسهم في إيصال المعلومات إلى عقول الناس في لحظات وثوانٍ معدودة في مختلف الأراضي والبقاع، ومن خلالها استطاع الكثير ممن يحملون الأفكار المتطرفة السيطرة على بعض العقول عن طريق غسلها بالمعلومات المغلوطة، وأصبح من السهل إقناع البعض بها.
وأهم ما يسعى إليه أصحاب الفكر الملتوي هو إبعاد الناس عن قيمهم الرصينة، وأخلاقهم القويمة، وتشكيكهم في عقيدتهم الوسطية المعتدلة، ودينهم السمح، وثوابتهم الراسخة، ومبادئهم النفيسة، حتى يصفو لهم (الجو) ويتمكنوا من عقول الناس ببث أفكارهم الخبيثة التي تحرض على تدمير الأوطان وسفك الدماء، وتحض على العنف ونشر الفوضى، تارةً باسم الدين، وهو براء من ذلك، وتارة تحت شعارات أخرى، وللأسف الشديد ينخدع بهذه الأفكار مَن ليس عندهم العلم والوعي والدراية الكافية بالقيم الدينية الصحيحة، التي ترسخ الاعتدال والوسطية، وترقى بالإنسان، وتحافظ على الأوطان.
وعلاج الأفكار المتطرفة بشقيها الغلو أو الانحلال يكون بغرس الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش، والحصانة الذاتية في كل فرد من أفراد المجتمع، حتى يكون سداً منيعاً في وجه هذه الأفكار الهدامة، وحتى يميز بين الأفكار الصحيحة والمسمومة، وذلك من خلال تتبع وتحري مصادر المعلومات، ومدى مصداقيتها، والآثار المترتبة عليها.
وحقيقةً فإن الأمن الفكري نتيجةٌ للأمن العقائدي، فإذا سلم المنهج وصحت العقيدة سيسلم الفكر والتفكير حتماً من الملوثات والشوائب، وإذا حدث خلل في المعتقد حدث الخلل في الفكر والسلوك والتصرفات والأخلاق، وواقع الجماعات المتطرفة خير شاهد على ذلك، تجد الخلل الكبير في عقائدهم وفي منهجهم، ما جعلهم يعيثون في الأرض الفساد، ولا يسعون إلا للخراب والدمار، خيّب الله سعيهم، وجعل كيدهم في نحورهم، وكفانا شرهم وشر أفكارهم المسمومة.
ويأتي هنا دور الإعلام بأنواعه المرئي والمسموع والمقروء في تعزيز التحصين الفكري لدى أفراد المجتمع، لا سيما الشباب والنشء، لما يملكه الإعلام من قوة ونفوذ في التأثير على أفراد المجتمع، وذلك من خلال إبراز الشخصيات التي تحمل الخطاب الوسطي المعتدل لمخاطبة عقول الناس وتحصينها من الأفكار الفاسدة، ويكون ذلك عن طريق البرامج التلفزيونية أو الإذاعات المسموعة، أو الكتابات في الصحف والجرائد والمجلات.
وكذلك يأتي دور المؤسسات التعليمية في تعزيز الأمن الفكري والتصدي للأفكار المغلوطة. ومن وجهة نظري أن طلاب المدارس والجامعات بحاجة إلى تضمين مناهجهم مادة علمية تأصيلية، تعتني بالأمن الفكري والتحديات والمستجدات التي قد تواجه الدول، وتتضمن خطورة الأفكار المتطرفة والدخيلة، وعوامل التصدي لها، وكيفية المحافظة على النسيج الاجتماعي، واللُّحمة الوطنية.
أيها الأب المبارك، وأيتها الأم الكريمة، احرصوا على تفقّد أبنائكم من خلال إتاحة الوقت الكافي لهم للتحاور معهم، وحذروهم من خطورة الألعاب الإلكترونية المتصلة بالإنترنت (أونلاين)، وعدم محادثة الغرباء، حتى لا يؤثروا على أفكارهم، فأبناؤكم أمانة في أعناقكم.. احرصوا على نصحهم وتوجيههم دائما وأبداً.
أخي الشاب الموفق، الحذرَ الحذرَ من الوقوع في شباك أصحاب الفكر الملتوي بأنواعه، كن واعياً ومدركاً لما يحدث من حولك، تصرف بحكمة، واحذر المواقع المشبوهة والمعلومات المغلوطة، كن درعاً حصيناً لنفسك ولمجتمعك من الأفكار المسمومة.