13-الشهيد الخالد ياسر عرفات. (1929-2004م) [1]
يعتبره الفلسطينيون والعرب وأحرار العالم رمزًا شامخا للنضال الوطني والثورة العالمية. تماما كما اعتبر الفرنسيون شارل ديغول رمز كفاحهم ، وكما اعتبر مواطنو جنوب إفريقيا نلسون مانديلا رمزا لتحررهم، وكما اعتبر الهنود المهاتما غاندي رمزا لمقاومتهم السلمية ثم استقلالهم .
خاض نضالا وجهادا شرسًا طوال أكثر من 40 عاما على مختلف الجبهات، ضد جبهة العدو من أجل تحرير فلسطين، وفي جبهة الأصدقاء سار بين الأشواك بطريق يتجنب فيه الألغام في ظل السياسات والمصالح العربية و الإقليمية والعالمية المتناقضة، وبشكل كرس فيه الكيانية الفلسطينية والاستقلالية من خلال فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية.
عاش ثورة بساط الريح متنقلا بين العواصم والدول. ومارس الكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد [2] و الدبلوماسية والعمل السياسي والإعلامي، وكرس في حركة فتح والثورة الفلسطينية فكر الوسطية والمرحلية والواقعية والرؤية الصائبة .
قيل فيه الكثير وسيُقال. ولكن تبقى حقيقته الأساسية واضحة لأبناء شعبه وللعالم أجمع: فلقد ظل عرفات وفياً للثوابت التي آمن بها، كقضايا القدس واللاجئين والدولة، وكان مرناً جدا في كل شيء إلا في تلك الثوابت، توفي في باريس ودفن في رام الله تمهيدا لنقله الى مسقط رأسه في القدس .
المولد : هو محمد ياسر "اسم مركب" عبد الرؤوف داود عرفات القدوة الحسيني ، ولد في اليوم الثاني لثورة البراق في 4/8/1929 في مدينة القدس.
بداياته
قطع دراسته في السنة الجامعية الأولى ليلتحق بجيش الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني ، وبعد هزيمة الجيوش العربية إثر (النكبة) عام 1948عاد لدراسته، واشتعلت في رأسه منذاك راية النضال والاعتماد على الذات في تحول نهائي في حياته.
انضم عرفات إلى رابطة الطلبة الفلسطينيين -في جامعة( القاهرة) - التي تولى رئاستها بجدارة بين الأعوام 1952- 1956 أثناء دراسته للهندسة المدنية لأربع دورات متتالية وذلك لحركيته الكبيرة وشخصيته الجذابة وخدمته للطلاب، وقدرته على كسب دعم كافة الأطراف من القوميين والليبراليين وعدد من الإخوان المسلمين. [3]
ولم ينتم لأي حزب سياسي من الأحزاب القائمة حينذاك-كما هو الحال مع عزالدين القسام الذي لم ينتمي لأي تنظيم بل أسس تنظيمه هو- رغم انتماء عدد من أصدقائه لجماعة الإخوان المسلمين مثل صلاح خلف (أبوإياد) وسليم الزعنون وغيرهما . بعد تخرجه أسس رابطة الخريجين الفلسطينيين.
عرفات وحرب السويس:
شارك ياسر عرفات في دورات عسكرية . وقام بتدريب المتطوعين في مصر، وشارك في تهريب الأسلحة عبر سيناء إلى فلسطين، وحارب الثائر عرفات مع الفدائيين المصريين في القنال عام 1951 ضد الانجليز، ونظم وشارك في المظاهرات المناهضة للهجوم على غزة عام 1954 ، وضد الأحلاف إلى أن قابل الرئيس جمال عبد الناصر لأول مرة على رأس وفد طلابي
.
انضم عرفات في العام 1956 للعمل مع الجيش المصري كضابط في وحدة الهندسة، وشارك في حرب السويس في
العام نفسه وقاوم (العدوان الثلاثي) بجسارة.
عرفات المؤسس: شارك في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) حيث عقد الإجتماع التأسيسي الأول أواخر عام 1957 ، و لتظهر حركة فتح بقوة منذ أواخر العام 1959، ويصدر مع خليل الوزير أبوجهاد مجلة فتح الأولى (فلسطيننا-نداء الحياة) [4] التي استمرت حتى العام 1964 .
لقد تشكلت (فتح) من تلاقي عدة أنوية ثائرة ضاقت بالواقع العربي المأزوم وسعت للتحرر الوطني، حيث توحدت الأفكار والأهداف التي تدعو لنزع رداء الحزبية والانضمام لحركة وطنية فلسطينية مستقلة تسعى للعودة من خلال شعار (ثورة حتى النصر) في إطار عربي ودعم عالمي.
ومن الجدير إشارته هنا أن ياسر عرفات وخليل الوزير (كانا يبحثان عن وعاء واطار لتلك الأنوية أوالأفكار يحوّل النظري الى العملي،وكانا مفتونين بتجربة الثورة الجزائرية التي كانت في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي تحقق الانتصارات، وتسطر ملاحم كفاحية،ومن تجربة جبهة التحرير الوطني الجزائري استلهما الفكرة.) [5]
ومن خلال اتصالاته الدؤوبة استطاع مع زميله خليل الوزير (أبوجهاد) إقامة علاقة مع جبهة التحرير الجزائرية منذ العام 1962، وفي العام 1964 فتحت دمشق أبوابها للعمل الفدائي، وفي ذات العام افتتح ياسر عرفات وأبو جهاد العلاقة المميزة مع الصين.
الانطلاقة 1965: بدأت الحركة الوليدة بقيادة ياسر عرفات عملياتها المسلحة ضد العدو الصهيوني في العام 1965 في العملية الشهيرة (عملية نفق عيلبون في 1/1/1965)، مما فتح أعين العالم العربي ، والعالم أجمع، على حقيقة نهوض المارد الفلسطيني مجددا . [6]
التقى عرفات مع الرئيس جمال عبد الناصر لقاءً تاريخيا أواخر العام 1967 بعد (نكسة) حزيران،حيث طلب منه الرئيس عبد الناصر إشعال حرائق في المنطقة، فقال له عرفات: بل سأشعل ثورة،وحينها قال عبد الناصر: إن الثورة الفلسطينية أنبل ظاهرة وهي وجدت لتبقى، ليضيف أبوعمار ولتنتصر.
دخل عرفات إلى فلسطين ليشكل الخلايا ويؤسس للعمل المسلح في الداخل.
معركة الكرامة 1968: في 21/3/1968خاضت طلائع حركة فتح وتنظيمات أخرى، بالإشتراك مع قوة من الجيش العربي الأردني معركة مباشرة مع الجيش الاسرائيلي وهي معركة الكرامة المجيدة التي إنتهت بنصر كبير أدى لإندحار القوات الإسرائيلية بعد تكبدها خسائر كبيرة في الأرواح و في المركبات العسكرية والدبابات الإسرائيلية، وكانت نتيجة المعركة نصرا خالدا أدى الى صعود نجم حركة فتح وانضمام الآلاف لصفوفها.
من "فتح" الى منظمة التحرير الفلسطينية: في 14/4/1968 اختير ياسر عرفات ناطقاً رسميا باسم حركة ( فتح) ، وفي 4/2/ 1969 انتخب رئيسًا لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومنذ ذلك الوقت تبنت فتح شعار الدولة الديمقراطية لكافة الأديان والطوائف في فلسطين.
عرفات صوت فلسطين في الأمم المتحدة: كان العمل الفدائي في الأردن عميق الفعل حيث آلاف العمليات المدمرة ضد العدو الإسرائيلي، إلا أن الخلافات مع الحكم حينها أدت للخروج من الأردن الى لبنان عام 1971.
لقد شكل الانتصار العربي بمشاركة الفدائيين في حرب رمضان المجيدة (6/10/1973) دعمًا للقضية الفلسطينية، وصدمة للإسرائيليين، ولكن سرعان ما بدأ هذا الانتصار يتلاشى مع توجهات الرئيس المصري أنور السادات للتسوية السلمية.
شهدت الدورة 12 للمجلس الوطني الفلسطيني (1-9 حزيران 1973) ولادة الخط الواقعي الذي مثله ياسر عرفات ، الذي أقرّ عبر هذه الدورة بفكرة التحرير بكافة الوسائل وإقامة السلطة الفلسطينية على أي جزء من فلسطين يتم استرداده. [7]
وفي 13 تشرين الثاني 1974، تحدث عرفات كرئيس للجنة التنفيذية ل(م.ت.ف) للمرة الاولى أمام الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك في أضخم حدث تاريخي فلسطيني قائلا "لقد جئتكم حاملا غصن الزيتون بيد وبندقية الثائر في الاخرى. فلا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي".
عرفات في لبنان: في العام 1973 اختير ياسر عرفات الذي اشتهر بكوفيته وشارة النصر و بإسم الختيار تودداً وتحبباً اختير قائداً عاماً لقوات الثورة الفلسطينية التي ضمت مختلف الفصائل.
وفي 13نيسان 1975، مع اندلاع الحرب الاهلية في لبنان التي استمرت حتى الثمانينات، وقف عرفات في صف القوى الوطنية والتقدمية اللبنانية بزعامة كمال جنبلاط .
وفي حصار بيروت الذي استمرأكثر من 80 يوما من القصف الإسرائيلي المكثف رفض عرفات عروض الاستسلام من (أرئيل شارون) وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك ، واستمر في صموده الأسطوري تحت شعار (هبت روائح الجنة) حتى خرج شاكي السلاح مع قواته الباسلة.
نجح ياسر عرفات خلال حصار السوريين له في طرابلس عام 1983 بمبادلة 6 أسرى إسرائيليين ب4500 معتقل فلسطيني، ومن طرابلس وصل ياسر عرفات إلى مصر، تحت شعاره الخالد يا جبل ما يهزك ريح.
بدعم سوري قامت حركة أمل اللبنانية بفرض حصار طويل ومميت على المخيمات استمر 18 شهرا وخلف 3000 شهيد، وأعلن في 11/9/1987 انتهاء هذه الحرب
ياسر عرفات في تونس
اكتسب عرفات احترام شعبه بصموده وشجاعته في لبنان كما في كافة المعارك العسكرية والسياسية والدبلوماسية، ومع انتقاله إلى تونس منذ العام 1982 أخذ عمل المنظمة منحى سياسيا إعلاميا ونقابيا مع تصعيد العمل العسكري الذي قاده ياسر عرفات وخليل الوزير من بغداد.
الانتفاضة و إعلان الاستقلال: لقد كان لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، انتفاضة الحجارة (1987-1993) ضد الاحتلال الإسرائيلي وتعرض الفلسطينيين فيها للقمع والقتل، أثره في حصول القضية الفلسطينية على تعاطف دولي، استثمره عرفات بحنكته السياسية لتحريك عملية السلام حيث دفع المجلس الوطني الفلسطيني بدورته المنعقدة في الجزائر في 15 تشرين الثاني 1988 الى تبني قرار مجلس الامن الدولي 242 وفي الوقت ذاته، أعلن المجلس قرار اقامة الدولة الفلسطينية.
عرفات يعود إلى غزة، وسلام الشجعان: سار الرئيس عرفات بعد حرب الخليج الثانية 1991 في مسار محادثات مدريد ثم واشنطن الى أن استطاع توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993، والتي تبعتها عدة اتفاقيات أخرى مهدت لنشوء السلطة الوطنية في الوطن.
وفي 1 تموز 1994 خرجت غزة عن بكرة أبيها لاستقبال عرفات والعائدين معه من
كوادر فتح والثورة الفلسطينية بحفاوة كبرى، بعد 27 عاماً قضاها في المنفى، واتخذ عرفات من غزة مقراً
لقيادته
.
في 20 يناير 1996 انتخب عرفات رئيسا للسلطة الفلسطينية في انتخابات
ظل يفتخر دوما بأنها كانت حرة وشفافة في منطقة نادرا ما تشهد مثلها
.
من كامب ديفيد الثانية الى الانتفاضة الثانية: رفض أبوعمار في قمة كامب ديفد عام 2000 تقديم تنازلات لإسرائيل في قضايا تتعلق بالوضع النهائي للأراضي الفلسطينية ومن بينها القدس، [8] ما أشعل الانتفاضة الثانية، و ما زاد اشتعال أوار المحبة له في قلوب الجماهير، تلك التي أثناء حصاره منذ عام 2002 ، خرجت بالآلاف في رام الله وكل فلسطين تطالب بفك حصاره الظالم وهو يردد (على القدس رايحين شهداء بالملايين).
استشهاد رجل عظيم: صادق الكنيست الاسرائيلي على (فك الارتباط) عن الضفة الغربية، قبل يوم واحد من تدهور صحة الرئيس عرفات، ونقله، بعد يومين، تقريبا، الى باريس حيث حاول الاطباء تحسين وضعه الصحي وانقاذ حياته في مستشفى (بيرسي) العسكري، ولكن قضاء الله لا راد له. وفي فترات صحوه وبرغم توسلات الأطباء كان يصر على دوام الصيام والصلاة. &