ستة مسلسلات عربية لم تنصف فلسطين عام 2020 كما يجب، لماذا؟ لربما لأنها لم تعالج القضية الفلسطينية كقضية أساسية أو جوهرية وإنما كان التناول هامشياً. ولاحظنا خلال السنوات الماضية أعمالاً فنية درامية انشغلت خلال ثلاثين حلقة وأكثر بالقضية العربية الفلسطينية. هل يعني التراجع في التناول هذا، أنه دليل أو مؤشر على تراجع المسألة في الهم العربي.. أم ماذا؟ على كل حال نحن ننادي بتناول أعمق للشأن العروبي والقضية الفلسطينية، ونطرح شعاراً سنوياً: نحو دراما صافية من أجل فلسطين.
(1)ـ أم هارون،
دراما خليجية كويتية من إخراج مصري وتصوير في الإمارات ولربما للسيدة الفنانة الكويتية القديرة حياة الفهد دور كبير في العملية الإنتاجية. تتحدث عن حقبة تاريخية ما قبل نكبة 1948 التي حلّت بالفلسطينيين. وتذكرنا بأعمال وسلوك جزء من اليهود العرب في الكويت وتحوّل بعضهم إلى صهاينة ومرتزقة للكيان الإسرائيلي. ويظهر العمل الدرامي كيف ناصر العرب الكويتيون الفلسطينيين وجمعوا التبرعات لهم في محنتهم. وظهر أن قضية فلسطين تنبض في قلب الكويتي العربي. تم تظهير صورة اليهودي من جديد. صورة اليهودي عند شكسبير في بريطانيا شبيهة بصورة اليهودي في الكويت: بخيل وطماع وغدّار وعنصري وغير متسامح مع العربي الشقيق من ديانة أخرى (إسلام ومسيحية).
دراما (أم هارون) من الأعمال الدرامية التي سيذكرها المؤرخون للدراما باعتبارها من الأعمال القوية والمثيرة للجدل. الدراما لا يمكن محاكمتها من ناحية أخلاقية فهي تعكس لنا الواقع بطريقة فنية وهي معالجة درامية للواقع الذي كان. وباعتقادنا أنها رسخت القناعة العربية بالحق الفلسطيني وأظهرت الخيانة اليهودية للأوطان العربية الحاضنة. فيهود البلدان العربية ظهر البعض منهم كمنافقين وخونة وطابور خامس وعنصريين وقتلة وميليشيات سرّية معادية.
محمد العدل كمخرج مصري كان له تجربة من قبل في دراما (حارة اليهود) أثبت جدارة مصرية درامية، وقد عبّر عنها بتصريحات أثارت حفيظة اهل الخليج باعتبار أن الدراما هي لهم ومن انتاجهم وتحمل هويتهم الوطنية العميقة والراسخة. فالكويت التي انتصرت للفلسطيني اللاجئ وقدمت له العمل والمال ما زالت حتى يومنا هذا تقدّم الكثير من أجل القضية الفلسطينية، حتى أن الديبلوماسية الكويتية والشعب الكويتي العروبي ما زال الأفضل مقارنة بالديبلوماسيات والمواقف العروبية حيال هذه القضية بالرغم من التباين في المواقف الفلسطينية ووقوع الفلسطينيين في فخ التناحر الداخلي وقيام جماعة حماس بالوقوف إلى جانب الإخوان وقطر وتركيا وإيران، وتقف ضد الدول العربية والخليجية الأخرى وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت والبحرين.
(2) الخوابي،
هي دراما حديثة بلهجة فلسطينية من إنتاج فلسطيني أردني مشترك تتناول حياة أسرتين في مرحلة غير واضحة التاريخ، وهذه الدراما اجتماعية تسجل حالة الصراع بين العائلتين، يُعتقد بأنهما فلسطينيتان (عائلة العجاف، وعائلة التابع) من كتابة الكاتبة المبدعة وفاء بكر، وإنتاج عصام حجاوي، والتصوير تم بالقرب من سد الملك طلال في قرية ريفية أردنية تشبه أجواء الحياة الفلسطينية في القرن التاسع عشر. ومن خلال حديثنا مع الصديق المخرج محمد علوان، ذكر لنا إن أجواء العمل الفني، ولو أنها كانت باللهجة الفلسطينية والمحلية الأردنية، إلا أنها أيضاً مقتبسة (أو مستوحاة) من أعمال عالمية: رواية (واقعية سحرية) للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز "الحب في زمن الكوليرا" و" جميلة والوحش" ومسرحية "تاجر البندقية" لوليم شكسبير.
(3) حارس القدس،
هي دراما سورية إيرانية تقوم قناة الميادين الشيعية الموالية لإيران ببثها مساء كل يوم بعد الإفطار وتتناول حياة المطران السوري الحلبي الأصل هيلاريون كبوتشي باعتباره من حراس القدس الأوفياء (وكان مطران كنيسة الروم الكاثوليك في القدس، سجنه الاحتلال 4 سنوات وأبعدوه إلى روما عام 1978). لا نريد هنا محاكمة هذه الدراما التي كتبها الأديب حسن م. يوسف وهو صديق لنا اختار أن يقف إلى جانب النظام السياسي السوري الموالي لطهران.
للصدفة التاريخية والدرامية، الحلقة 17 من (حارس القدس)، وتدور الأحداث عام 1974، تقول ((بحسب الكاتب حسن م. يوسف)) أن المطران هيلاريون كبوتشي ارتبط بالمخابرات السورية من خلال ضابط اسمه (حامد)، لربما يتبع لفرع فلسطين، حيث كان يجري التحقيق مع الفلسطينيين او الموالين للقضية الفلسطينية. بالطبع هذه رواية الكاتب الموالي لبشار الأسد والنظام هناك. المسألة أن مخرج هذه السلسلة الدرامية هو باسل يوسف ابن الشاعر الفلسطيني يوسف الخطيب من دورا الخليل.
(4) مخرج ـ7،
في الدراما السعودية (مخرج 7) ورد حوار بسيط حول القضية الفلسطينية لا يتعدى الدقائق الثلاث، وفيه نبرة عتاب للعرب والفلسطينيين الذين يفترون على السعودية والعرب ويميلون نحو الخصوم والأعداء (إيران وتركيا وإسرائيل). بالطبع قام المفترون بقص نصف الحوار وجاؤوا به مجزوءً. في الدراما لا يمكن لنا أن نتعامل مع سطحية النص، بل بأبعاده وأهدافه، والجدل الذي يخلقه والتشويق الذي قد يجعل القضايا المطروحة الأخرى في تلك الدراما على اجندة الناس، على اعتبار أن الدراما ترتّب أولويات الناس وتضع لهم أجندتهم. المهم في هذا الدراما أنها أعادت التأكيد على أن القضية الفلسطينية قضية جدلية ودائمة في الأجندة العربية بما تخلقه من تداعيات وسجالات لاحقة.
والمهم أيضاً، في المشهد الذي تحدث عن الفلسطينيين، أنه روّج للمسلسل (مَخرج7)، أن الرأي الغريب العجيب بخصوص التعامل مع القضية الفلسطينية، جاء على لسان الممثل القدير (راشد الشمراني) وهو في هذا المسلسل (الكوميدي النقدي) يلعب دور "الفهلوي والنصاب والطمّاع والفاسد وكذّاب" وبالتالي كل ما تنطق به هذه "الشخصية الوضيعة" لا تعبّر في الجوهر وبالضرورة عن رأي الفنان الشمراني ذاته.
(5) سوق الحرير،
في مسلسل "سوق الحرير" (2020)، ظهرت الخالة السورية (التي تزوجت من رجل فلسطيني الانتماء والموطن قبل النكبة بـ30 عاماً، أي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية) وكانت قد خلّفت من ذلك الرجل ابنها الأكبر الذي راح الكويت واختفى، وخلفت البنت الصغرى (صباح). رجعتا (الأم وابنتها) إلى دمشق تحكيان العربية الشامية بلهجة "فلسطينية شامية مكسّرة".
(6) النهاية،
هي مصرية حديثة أقرب إلى الخيال العلمي وضعت القضية الفلسطينية على أجندة العربي المصري، حين ورد أن نهاية إسرائيل ستحدث في نهاية قرن من الاحتلال. الحرب القادمة بكل تأكيد ستجلب النصر للفلسطينيين والعرب بمحتواها التكنولوجي الحديث وهذا ما تنبأت به الدراما المصرية الحديثة لهذا العام 2020. وما أعظم الدراما المصرية (الاختيار) للمخرج بيتر ميمي، وتأليف باهر دويدار، التي خلّدت سيرة أحد القادة المصريين الشهداء الذين دافعوا عن أرض سيناء المصرية (ويقوم الفنان العروبي أمير كرارة بدور البطولة) في مواجهة الإرهاب الأسود المرتبط بقوى خارجية عدوّة للعروبة ومصر واستقلالها.
عمّان/ الأردن ــ 15/06/2020
*/ (د. تيسير المشارقة: باحث في الدراسات الثقافية والاتصال)