نشر بتاريخ: 2020-06-13
(10) التراث الشعبي الفلسطيني
تعريف التراث :
بمفهومه البسيط هو خلاصة ما خلَفته (ورثته ) الأجيال السالفة للأجيال الحالية .
ومن الناحية العلمية هو علم ثقافي قائم بذاته يختص بقطاع معين من الثقافة (الثقافة التقليدية أو الشعبية) ويلقي الضوء عليها من زوايا تاريخية وجغرافية واجتماعية ونفسية.
استخداماته :
تستخدم مواد التراث الشعبي والحياة الشعبية في إعادة بناء الفترات التاريخية الغابرة للأمم والشعوب والتي لا يوجد لها إلا شواهد ضئيلة متفرقة وتستخدم أيضا لإبراز الهوية الوطنية والقومية والكشف عن ملامحها.
التراث والمأثورات التراثية بشكلها ومضمونها أصيلة و متجذرة إلا أن فروعها تتطور وتتوسع مع مرور الزمن وبنسب مختلفة وذلك بفعل التراكم الثقافي والحضاري وتبادل التأثر والتأثير مع الثقافات والحضارات الأخرى وعناصر التغيير والحراك في الظروف الذاتية والاجتماعية لكل مجتمع.
مواد التراث وأقسامه
أولا: المعتقدات والمعارف الشعبية
من أهمها ما يتعلق أو يشاع عن: الأولياء ، الكائنات الخارقة (فوق الطبيعية) ، السحر ، الأحلام ، الطب الشعبي ، حول الجسم الإنساني، حول الحيوان ، حول النباتات ، الأحجار والمعادن ، الأماكن غير المأهولة ،الزمن وعلاقته بالظروف السائدة ، الأوائل والأواخر ، الاتجاهات ، الألوان ، الأعداد ، الروح ، الطهارة ، النظرة إلى العالم ، السلوك الفردي والجمعي في المناسبات المختلفة
ثانيا: العادات والتقاليد الشعبية
العادات الشعبية ظاهرة تاريخية ومعاصرة في آن واحد وهي حقيقة من حقائق الوجود الاجتماعي التي تتعرض لتغير وتجدد دائمين تبعا لتجدد الحياة الاجتماعية واستمرارها.
يقول عالم الفولكلور (ريتشارد فايس) في موضوع العادات:
(هناك بعض صور التعبير البسيطة أو وسائل العرض التي تتكرر دائما كعناصر عادة احتفالية ابتداء من اقدم طقوس الإخصاب أو تقديس الموتى حتى أحدث عادات الأعياد التي نعرفها، فالممارسات السحرية الريفية القديمة والاحتفالات الحالية في المدن والمواكب الدينية والاجتماعات تستخدم الأشكال نفسها وعناصر العادات نفسها، أما الفارق الوحيد في ذلك فهو المستوى الثقافي التي تظهر فيه العادة والمناسبة التي تستخدم فيها).
السمات الرئيسية للعادات والتقاليد الشعبية :
1)
فعل اجتماعي مرتبط بالجماعة ( تطلبها منه أو تحفّزه عليها) .
2)
متوارثة ومرتكزة إلى تراث يغذيها ويدعمها.
3)
قوة تتطلب الطاعة الصارمة والامتثال الاجتماعي
4)
مرتبطة بظروف المجتمع الذي تمارس فيه.
5)
مرتبطة بالزمن والمواقيت (مثل رأس السنة الهجرية ، عاشوراء ، المولد النبوي ، النبي موسى، موسم الحج ، شهر رمضان ، ميلاد السيد المسيح .....)
6)
متنوعة وشاملة للعالم الإنساني وفوق الإنساني كالميلاد والموت والزواج والعلاقات مع الجيران والقرية والمدينة والتقويمات الشمسية والقمرية... الخ. وخلاصة القول ان الوجود الإنساني يفصح عن نفسه في العادات على اعتبار أنها السلاح الذي يواجه به أسرار الوجود ومشكلات الحياة ويدعم بها علاقاته مع مجتمعه.
ثالثا: الأدب الشعبي:
من أبرز موضوعات التراث و أكثرها عراقة، ومن المسميات التي تطلق عليه: الأدب الشفاهي، الفن اللفظي، الأدب التعبيري.
من أنواع الأدب الشعبي:
1)
المثل
2)
اللغز
3)
النداء كالتبليغ عن موت أو فقد أو طلب عون
4)
النادرة (النوادر)
5)
الحكاية الشعبية كقصص ابو زيد الهلالي والبطولات الخارقة
6)
السيرة
7)
التمثيلية التقليدية
8)
الأغنية - أغاني الميلاد والطهور والزواج والبكائيات
9)
الأهازيج والحِداء أثناء سفر الحجيج أو الحصاد أو الرعي
10)
الأسطورة والخرافة
الثقافة المادية والفنون الشعبية:
أ- الثقافة المادية: هي صدى لمهارات ووصفات انتقلت عبر الأجيال وخضعت لقوى التقاليد المحافظة ومنها طرق:
1)
بناء الرجال والنساء لمساكنهم.
2)
صنع الملابس
3)
إعداد الطعام
4)
صيد الأسماك أو الحيوانات
5)
حفظ وتخزين الأغذية
6)
صنع المعدات والأدوات والأثواب.
ب- الفنون الشعبية:
1)
مثل الموسيقى الشعبية وتشمل:
a.
موسيقى الميلاد، العمل، الغزل، الأفراح، الحج.
b.
موسيقى الرقص.
c.
موسيقى النداءات والمدائح والابتهالات والأناشيد والسير.
2)
فن الرقص ويشمل:
a.
رقص مناسبات (جماعي – فردي).
b.
رقص مرتبط بالمعتقدات (ذكر، مواكب صوفية...).
c.
رقص طبقات وفئات معينة (الغوازي، الشركس...). الخ.
3)
فن الألعاب الشعبية وتشمل: فروسية، العاب السيف والمبارزة.
4)
فنون تشكيلية شعبية:
وتشمل : الأشغال اليدوية، مثل النسيج، الخشب، القش، الفخار، الخزف، الزجاج... الخ.
- الأزياء بأنماطها المتنوعة حسب المناطق.
- الحلي وأدوات الزينة.
- الأثاث والأواني.
- العمران الشعبي.
- الدمى والتعاويذ.
- الوشم.
- الرسوم الجدارية.
التراث الفلسطيني بين الحماية والطمس:
بعد الاستيلاء على الأرض ونهب خيراتها ومعتقداتها عمد الاحتلال بقوة كيانه المفتعل إلى الهجوم على التراث الوطني الفلسطيني المتجذر عميقا في تاريخ الإنسانية، لما يشكل هذا التراث من تهديد لاستمرار وجوده من جهة وكعنصر بقاء يغذي عناصر ثقافة ووجود الفلسطيني فوق أرضه ووطنه، والهدف من ذلك هو القضاء على الانسان الفلسطيني بعد الاستيلاء على أرضه.
ومن أساليب هجوم الاحتلال على التراث الفلسطيني:
1)
خلق عصبيات متنافسة ومتصارعة وإحياء العصبيات التاريخية.
2)
الإبقاء على عناصر ثقافية سلبية يجب ان تنقرض.
3)
التصدي للوجدان الجمعي وضرب وحدته.
4)
القضاء على العناصر التي تؤكد أصالتنا ومكاننا من التاريخ ومن الحضارة.
5)
ترويج بعض عناصر التراث الفلسطيني على أنها خاصة به ورثها عبر تاريخه المزعوم( الأزياء المطرزة) .
6)
التعدي على الكثير من الأماكن التراثية وبتدميرها أو تحويلها لاماكن خاصة به (أضرحة الأولياء، المزارات، الآثار).
حماية التراث الفلسطيني اصبح ضرورة وطنية بالغة الأهمية لشدة دلالتها على التمسك بالهوية الوطنية، ويؤشر على ذلك بوضوح اتجاه المؤسسات المعنية في السلطة الوطنية سواء أكانت رسمية (كالوزارات والمدارس) أو غير رسمية (كالجمعيات ومراكز التنمية الريفية ومراكز التراث الشعبي) لإحياء المواسم والمناسبات الدينية والشعبية (موسم النبي موسى والنبي صالح) وإقامة المعارض التراثية والمشاركة فيها محليا وعربيا وعالميا وإقامة الدورات المتخصصة بالحرف اليدوية والمشغولات التراثية (التطريز، الزجاج، السيراميك، القش، الخزف). ودورات الفنون الشعبية (الرقص، الغناء، المسرحيات)، ولا تكاد تخلو مدينة أو قرية أو مخيم فلسطيني من هذه الأنشطة والاهتمامات.
من المؤسسات التي تعنى بالتراث:في فلسطين
1)
جمعية إنعاش الأسرة/ رام الله.
2)
دار الطفل العربي وجمعية الاتحاد النسائي/ القدس.
3)
الاتحاد النسائي / بيت لحم.
4)
فرقة الفنون الشعبية/ رام الله.
5)
متحف التراث/ بيت ساحور.
6)
جمعية صوريف الخيرية/ الخليل.
7)
مركز أحياء التراث العربي في طيبة المثلث
8)
مركز السنابل للتراث في سعير
9)
مركز الفنون الشعبية – البيرة.
10)
سرية رام الله للفنون الشعبية.
11)
مركز أرطاس للفنون الشعبية.
12)
الاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين:
13)
راكز أخرى.
14)
هناك العديد من المراكز والنوادي والمؤسسات التي شاركت وساهمت في عملية الحفاظ على فنوننا الشعبية في مختلف أنحاء فلسطين وأخذت تقيم المهرجانات المنوعة للدبكة وللزجل ونفذت في فرخة، بيت لقيا، كفر راعي وغيرها الكثير.
المراجع: د. محمد الجوهري، علم الفلكلور، الأسس النظرية والمنهجية الجزء الأول، ط4، دار المعارف، القاهرة، 1981.
مركز المعلومات الوطني الفلسطيني-وفا
(11) التعامل مع الناس
إن الناس، الجماهير، هم أنت وأنا، آباؤنا وأجدادنا، إخواننا وأخواتنا، وأبناؤنا الذين يعيشون معنا في نفس المساحة الجغرافية السياسية، أي في البلد الواجد، ان الناس ناسنا والجماهير جماهيرنا ونحن وهم كل واحد.
جاءت الرسالات السماوية لتخاطب الناس كافة، أفرادا واسر وجماعات فكان الهدى والرحمة والمحبة والتبشير والدعوة من أهم المبادئ، وكان رسول البشارة المسيح عليه السلام يدعو للتسامح والتآلف والتقارب بين الناس وهو القائل (أحسنوا إلى مبغضيكم).
وكان رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم النموذج والقدوة للتعامل مع الناس حيث قال (أحب لأخيك ما تحب لنفسك) وأشتمل القرآن الكريم على حكم عظيمة تحض على التعاون والتراحم والتكافل بين الناس، وفي التعامل معنى اتصالي حيث يقوم شخص أو أشخاص بنقل موضوع (رسالة) تحمل معلومات أو آراء أواتجاهات أو مشاعر إلى الآخرين بهدف التأثير، ومن أشكال الاتصال بين الناس الاتصال عبر وسائل الإعلام والشبكات والمجموعات، والاتصال الجماهيري المباشر عبر اللقاءات والندوات والاجتماعات والدواوين.. اله.
وبالطبع نقوم ونحن نتواصل نتعامل، نتحادث، نكتب، نتصل مع الآخرين باستخدام اللفظ أو الكتابة أو الإشارة ومن ذلك يقول الشاعر:
وللقلب على القلب
دليل حين يلقاه
وفي ا لناس على الناس
مقاييس وأشباه
وفي العين غنى للمرء
أن تنطق أفواه.
الاتصال الجماهيري (الجمعي) : هو احد أشكال الاتصال، واحد أشكال التعامل مع الناس التي تؤدي أغراض نقل الأفكار والآراء والمشاعر والتراث الاجتماعي الثقافي وترابط أجزاء المجتمع في الاستجابة للبيئة التي يعيش فيها وعلى العموم يلخص الأستاذ صالح خليل أبو اصبع هذه الوظائف للاتصال عامة بأنها تحقق:
نقل الأخبار
الإعلام والتعليم
ترابط المجتمع ونقل تراثه
الترفيه لإشباع الرغبات النفسية والاجتماعية
صيانة المجتمع بالرقابة
الإعلان والترويج
تكوين الرأي العام .
وهذه النقطة (الأخيرة) هامة جدا للحكومات والمنظمات السياسية وغير الحكومية وهي التي يجب التعاون فيها ليتشكل المجتمع بفئاته وجماعاته وأسره وأفراده موحد الرؤيا والأهداف ومتحقق الانتماء والولاء.
وكما ذكرنا ان التعامل مع الناس يحتاج للاتصال المباشر، وذلك غير المباشر عبر وسائل الإعلام وادوات التواصل الاجتماعي الالكتروني الحديثة، ولهذه الوسائل تأثيرات هامة على الفرد وعلاقات الأفراد معا وعلى النظام الاجتماعي للمجتمع وتؤثر في النتائج المتوقعة على معارف وأفكار وآراء وسلوكيات واتجاهات أفراد المجتمع لذلك يعد مضمون أو مادة الوسيلة الإعلانية (أو الحديث المباشر ) هام جدا.
تشكيل الرأي العام: حيث أن الرأي العام مجموعة من آراء الأفراد حول قضية ذات اهتمامات – مصالح عامة – وغالبا ما تؤثر على سلوك الفرد والجماعة وسياسة الحكومة، وتشكيل الرأي العام يمر بثلاث مراحل هي:
(1)
بروز القضية.
(2)
النقاش حول القضية وحلول مقترحة مع أو ضد
(3)
الوصول إلى رأي عام (أو إجماع)
وفي تشكيل هذا الرأي العام يتأثر الناس بالعوامل الشخصية من مستوى الفرد الثقافي والتعليمي والاقتصادي وطريقة التربية في الأسرة.. الخ، وبالعوامل المجتمعية مثل نوع القيادة في البلد ودرجة تأثير الحكومة أو السلطة أو التنظيم ودرجة الحرية والديمقراطية المتاحة للناس، وفعالية وسائل الاتصال (الإعلام: من ندوات ومحاضرات... إضافة لتأثيرات كوادر الأحزاب والمؤسسات، عدا عن الدعاية والإعلام الخارجي.
نحن من كل هذا معنيون بحُسن التعامل مع الناس كأبناء مؤسسات حكومية أو مدنية أو تنظيمات سياسية أو مجتمعية لغرض تشكيل رأي عام موحد حول القضايا الرئيسية دوما، ولدعم ا سس الحرية والديمقراطية والتواصل في المجتمع. وباعتبار إن للاتصال بين الناس تأثيرا على الفكر والمعارف والاتجاهات والسلوك انصب اهتمام التنظيمات السياسية على دعم قواعد السلوك في المجال الجماهيري وفي ذلك تقول حركة (فتح).
قواعد المسلكية في المجال الجماهيري: يمكن تلخيصها بضرورة التوجه الصادق الدائم للجماهير وتعميق العلاقة بينها وبين الحركة وترسيخ الإيمان بأن هدف الحركة الثورية أن تحقق النصر، وعليه فقد تحددت هذه المبادئ في ضرورة
1- تعميق احترام الجماهير والاستماع لها وعدم فرض الآراء عليها.
2- والاعتماد على الجماهير لان المهمات لعظيمة هي من صنع هذه الجماهير وليس فرد أو فئة.
3- وتعبئة الجماهير برفع قدراتها السياسية والتنظيمية وفي خدمة المجتمع والبلد والدولة.
4-والثقة بالجماهير لأنها لا تعطي حياتها إلا عندما تتعمق الثقة بين الطليعة والجماهير.
5-وحب الجماهير بأن يتنازل عضو التنظيم أو المؤسسة عن راحته لصالح الجماهير ويعبر عن ودّه لهم ولأطفالهم ولكبار السن ويكون مستقيما مع النساء ويقدم كل ما يستطيع من خدمة لهذه الجماهير.
6-والتعلم من تجارب الجماهير.
7- وتعليمها بتجارب الطليعة.
8-وفعالية طلائع الثورة أو المجتمع أو التنظيم تعتمد على مدى قدرتها على التلاحم مع الجماهير بعدم الاستعلاء عليها وربط مصيرهم بمصيرها وبالاستفادة من الأخطاء وليس الهرب منها.
وإذا كانت المسلكيات في المجال الجماهيري تكرس مفاهيم احترام الجماهير والثقة بها والاعتماد عليها فان العلاقة بين الفئات المختلفة من الجماهير والتناقضات بين صفوف الشعب تحتاج من الطليعة أن تكرس مسلكية القدوة والنموذج والتي تهدف لجمع الصفوف ووحدة الجماهير حتى يقف الشعب كله صفا متراصا في وجه أعدائه.
من المراجع : * صالح خليل ابو اصبع، الاتصال الجماهيري، دار الشروق، عمان 1999
•
أدبيات حركة (فتح)، قواعد المسلكية الثورية في المجال الجماهيري .
12-احترام القانون وحقوق الإنسان
عندما نتحدث عن احترام القانون، فإننا في البداية نقر أن القانون هو الأساس الذي ينظم العلاقة ما بيننا جميعا، بين المواطنين أنفسهم، وبين المواطنين والسلطة التي تدير دفة البلاد. ونحن بالتالي نقر آن هناك مجموعة من الحقوق كل تجاه الآخر، بالإضافة إلى وجود مجموعة من الوجبات أيضا كل تجاه الآخر.
في مطلع القرن العشرين بدأت دول العالم في قبول مبدأ سيادة القانون أساسا للمجتمع المنظم. ومع انتهاء حكم الاستعمار القديم، وانتشار العلم والتعليم على نطاق عالمي، ومع وتائر التقدم العلمي السريع، والانتشار الفوري للآراء عن طريق وسائل الإعلام، وسرعة وسائل النقل، ومقاومة الحكم الاستبدادي وأهوال الحرب، أيقظت هذه الأمور أذهان وضمائر العالم، وأشعرتهم بالحاجة إلى القيام بجهود مشتركة لحماية وتوطيد حقوق الإنسان في ظل سيادة القانون، وكانت جملة هذه العوامل هي التي دعت ممثلي دول العالم إلى تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
مفهوم سيادة القانون
أن القانون، شأنه شأن سائر النشاطات البشرية، ليس متجمدا أو متحجرا، فمفهوم سيادة ا لقانون يمر بتكيفات وتوسعات كي يواكب التحديات الجديدة، ضمن إطار تنمط العلاقات البشرية الناتجة عن التقدم الاجتماعي والاقتصادي.
وعليه، فإن سيادة ا لقانون كمبدأ من المبادئ التي تتسم بالحيوية والنشاط، ويقع على عاتق الحقوقيين توسيع هذا المبدأ وإتمامه، وفي ذات الوقت استخدامه لتوفير حماية الفرد والمجموع، والتأكد من استتباب الأمن والنظام، وتوفير المجتمع الحر الذي يطلق العنان لإبداعات أبناء الشعب.
ومن الضروري لتأمين سيادة القانون التأكد دوما من أن مختلف الأجهزة التنفيذية تحترمه وتسهر على تنفيذه على الدوام. ومن الضروري مراعاة التوازن ما بين نشاطات الأجهزة التنفيذية على نحو فاعل وسيادة القانون دون أن تسئ السلطة التنفيذية استخدام السلطة، ودون أن يتعرض الفرد إلى تدخل مفرط وغير مشروع في حياته الشخصية وممتلكاته.
ومن المسائل التي تكتسي أهمية قصوى في سيادة القانون احترام وضمان استقلالية القضاء، مع تأمين كل الاحترام للمحامين والدور الذي يلعبونه. ويقع في ذات الوقت، على عاتق المحامون توجيه انتباه كافة أبناء الشعب إلى الصلة العملية الوثيقة الكائنة ما بين سيادة القانون وبين حياتهم وتطلعاتهم، بالإضافة لأي تبني الأساليب التي يمكن بواسطتها تعريف المواطن العادي بسيادة القانون.
السلطة التنفيذية وسيادة القانون
سيادة القانون لا تتطلب فقط توفيرا للضمانات الكافية ضد سوء استخدام السلطة من قبل الجهاز التنفيذي، بل أيضا وجود حكومة فعالة قادرة على المحافظة على القانون والنظام، وتوفير أحوال معيشية أفضل للمجتمع.
أن الأعمال التي تنفذها السلطة التنفيذية يجب آن تكون دوما ضمن القانون، وكذلك أن تخضع في كل ما يتعلق ويؤثر تأثيرا مباشرا على الأفراد و/أو ممتلكاتهم أو على حقوقهم إلى المراجعة القضائية.
وفي الحالات التي يلحق أي من المواطنين أي ضرر نتيجة لتصرفات السلطة التنفيذية يجب أن يمنح الوسيلة القانونية لإزالة الضرر، إما باتخاذ إجراء قضائي ضد الدولة و/أو الفرد المسبب للضرر.
أما عن رقابة المحاكم والسلطة التشريعية على أعمال السلطة التنفيذية، فهي الضمانة الرئيسة للحيلولة دون حصول حالات سوء استخدام السلطة.
ومن الضروري أن تكون الرقابة القانونية "القضائية" فعالة ورخيصة التكاليف، كي يتمكن المواطن العادي من اللجوء إليها عند شعوره بالظلم ويطلب حمايتها. وعلى السلطة التشريعية أن تعهد إلى لجان متخصصة بمهمة فحص والتأكد من سلامة تنفيذ السلطة التنفيذية للمهمام المنوطة بها.
أهمية احترام القانون وصيانة حقوق الإنسان
من البديهي أن يكون هناك مجموعة من الحقوق والواجبات لأي مواطن يعيش في كنف أية دولة. ومن البديهي أيضا أن لا تكون المطالبة قط باتجاه واحد. أي أن يطلب المواطن دوما من الدولة أن توفي بالالتزامات تجاهه (أي حقوقه)، وأن لا يطلب من نفسه أن يؤدي بالتزاماته تجاه الدولة (أي واجباته).
وفي الجانب الآخر، فإنه من الضروري مراعاة التوازن ما بين حقوق وواجبات المواطن من جهة والسلطة الوطنية من جهة أخرى ففي الوقت الذي يكون فيه مطلوبا من السلطة التنفيذية ان تحترم القوانين وتحافظ على حقوق الإنسان كالمحافظة على بؤبؤ العين، من المطلوب أيضا أن يحترم المواطن العادي القانون، وأن يمتثل لأوامر وتوجيهات السلطة التنفيذية. كأن يمتثل سائق لتوجيهات رجال السير على الطرق، وكأن يمتثل المواطن ويواظب على دفع الضرائب المستحقة وغيرها الكثير.
ولكن من الضروري الإشارة إلى انه في حالة ارتكاب أي من المواطنين لأية مخالفة أو خروج عن القانون، فإن ذلك لا يعني على الإطلاق أن تسارع الجهة التنفيذية إلى الرد بانتهاك القانون، بل على العكس عليها احترام القانون وإحالة المخالف إلى القضاء كي يقول كلمته.
ومن الأمثلة على ذلك، أن مواطنا قد قاد سيارته دون حصوله على رخصة قيادة، ودون أن تكون بحوزته شهادة تأمين وترخيص للسيارة، وقام بدهس مواطن آخر توفي لاحقا في المستشفى. إن ما يتوجب على الجهاز التنفيذي القيام به هو اعتقال السائق، والتحقيق معه فيما نسب إليه، وتحويله إلى المدعي العام ومن ثم إلى القضاء. ولا يحق بأي حال من الأحوال، لأي كان من السلطة التنفيذية و/ أو أي كان من المواطنين العاديين القيام بضرب هذا السائق، أو قتله أو إيذاءه أو إيذاء عائلته ولا يمكن على الإطلاق القبول بأي تبرير بأن السائق قد حاول الفرار، أو انه قاتل متهور وهلمجرا، المسألة متروكة للقضاء كي يقول كلمته. أي باختصار من غير المعقول ارتكاب انتهاك للقانون تحت ذريعة أن ذلك كان ضروريا للحفاظ على القانون والنظام العام.
تجدر الإشارة إلى أن القضاء أول ما ينظر في أية قضية إلى مسألة سلامة الإجراءات التي اتبعت، فإذا كان الإجراء المتبع قد خلا من أي أصول قانونية فان التهمة تسقط كون الإجراء قد جاء خاليا من الأصول المرعية القانونية. فإذا ما اعتقل شخص على سبيل المثال بعد التنصت على مكالمة هاتفية علمت من خلالها الأجهزة التنفيذية انه يتاجر بالمخدرات، فان القاضي لا يأخذ بذلك كون عملية التصنت بالأساس ممنوعة قانونا.
ومن الأمثلة أيضا، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد تجول ذات ليلة في أحياء المدينة، وسمع في فناء منزل يحيطه جدار صوت أشخاص في حالة سكر، وكان أن نظر من فتحة في الباب، ثم قفز من على الجدار بهدف اعتقالهم. فقال له احدهم "يا أمير المؤمنين لقد ارتكبنا نحن خطأ واحدا أما أنت فقد قمت بالتنصت، ثم اختلست النظر، ثم دخلت إلى فناء المنزل دون استئذان وفي ذلك ثلاثة أخطاء فكان أن رد أمير المؤمنين" صدقت وأخطأ عمر".
وفي المقابل فإننا عندما نتحدث عن احترام أفراد أجهزة السلطة التنفيذية المختلفة للقانون وحقوق الإنسان، فإننا أيضا نتحدث عن ضرورة احترام المواطن العادي للقانون ولحقوق الإنسان أيضا.
كما وإننا نطلب أيضا من المواطن العادي الإيفاء بالتزاماته "أي واجباته" تجاه الدولة التي ترعاه، كأن يقوم بدفع الضرائب في مواعيدها ودون إخفاء الدخل الحقيقي، وكأن يحترم أجهزة إنفاذ القانون ولا يتعدى عليهم قولا أو عملا.
وبين هذا وذاك، وبين معادلة احترام الحقوق والواجبات كل تجاه الآخر، من الضروري الإشارة إلى إننا ما زلنا في البداية، بعد هذه السنين الطويلة من الاحتلال العسكري البغيض، وما زلنا متأثرين ببعض مخلفات الاحتلال، وما زال البعض منا يمر بمرحلة عدم استيعاب أننا يجب أن نحتكم من الآن فصاعدا للقانون، وإننا نبني دولة القانون ونبتعد أكثر فأكثر عن مفاهيم شريعة الغاب.
والمطلوب في المرحلة الحالية إدراك هذه الحقيقة، واستيعاب أن معركة بناء دولة القانون وحقوق الإنسان هي أصعب بكثير من معركة إنهاء الاحتلال، وأنها تحتاج إلى استيعاب معادلات جديدة استجدت في حياة المجتمع الفلسطيني.