نشر بتاريخ: أمس
تسير الآيات في سورة المائدة على نفس منوال التبيان والتوضيح لأهل الكتاب، وخاصة اليهود ما يهمنا بالسياق هنا أن منهم من ينقمون على المؤمنين لإيمانهم وما أنزل عليهم و(أن اكثرهم فاسقون—9) أي مخالفون للحق، ثم يعرض الحق قصة القردة والخنازير (مسخ مادي أو معنوي) التي أشرنا لها سابقا، ثم يوضح الكذب المستشري فيهم بالقول أننا آمنا (وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون)، والى ذلك (وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62)).
وفي الآية يقول الإمام الطبري: ]قول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " وترى " يا محمد =" كثيرًا "، من هؤلاء اليهود الذين قصصت عليك نبأهم من بني إسرائيل=" يسارعون في الإثم والعدوان"، يقول: يعجلون بمواقعة الإثم.[
ويضيف: ]الذي هو أولى بتأويل الكلام: أن يكون القوم موصوفين بأنهم يسارعون في جميع معاصي الله، لا يتحاشون من شيء منها، لا من كفر ولا من غيره. لأن الله تعالى ذكره عمَّ في وصفهم بما وصفهم به من أنهم يسارعون في الإثم والعدوان، من غير أن يخصّ بذلك إثمًا دون إثم.[
ويقول الرازي في تفسيره ]المسارعة في الشيء الشروع فيه بسرعة. قيل: الإثم الكذب، والعدوان الظلم. وقيل: الإثم ما يختص بهم، والعدوان ما يتعداهم إلى غيرهم[.
وتضيف الآيات: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63))، ويرد السحت أيضا في الآية: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ-42-المائدة)
اما السُحت بالآية فهو: المال الحرام، المال الخبيث، و كل ما لا يحلُّ تناولُه، وكل حرام يقبح ذكرُه. و قيل: هو ما خَبُث من المكاسب أو الحرام الذي لا يحل كسبه. وقيل: الرشوة في الأحكام أيضا.
إن عقوبة المسخ (مادية أم معنوية) لفئة عاصية من قبيلة بني إسرءيل القديمة المندثرة الى القردة والخنازير(الآية60 من سورة المائدة)، وبتحديد الخنازير-السُحت هنا يقول د.محمد سامي حسانين[1] أن العقوبة للمعتدين على يوم السبت بمسخهم الى خنازير :] ارتبطت بأكل السحت (الحرام)، لوجود شبه بين حال من يأكل السحت وهو الرجس النجس معنويًا بحال الخنزير الذي من طبعه أكل القاذورات النجسة حِسًّا ما هو مناسبة بين الذنب والعقوبة[ مضيفا: ]أي أن اسم الخنزير اقترن بالسحت (أكل المال الحرام)، والحديث عن اليهود، ومن أكل الحرام هو أكل المال من الكذب على الله والافتراء بتحريف أحكامه، وتحريف أحكام الوحي لعرض الدنيا.[
يقول الشاعرالبوصيري[2]: جحدوا المصطفى وآمن بالطاغوت/ قومٌ هم عندهم شرفاء
مُلِئت بالخبيث منهم بطون/ فهي نارٌ طباقها الامعاءُ.
والخبيث هنا أكل الرشوة والمال الحرام مما أشارت له الآيات بالسحت.
#بكر_أبوبكر
#تفكرات_رمضانية
الحواشي
[1] د.محمد سامي عبدالسلام حسانين، اللزوم الدلالي لأسماء الحيوان في القرآن الكريم، مكتبة بورصة، القاهرة،2013 من ص74-75.
[2] من قصيدة محمد بن سعيد البوصيري المسماة الهمزية في مدح خير البرية، الى جانب قصيدة البردة الشهيرة له.