لا انا ولا نبيل أردنا في يوم من الأيام ان نكون في الصف الثاني او في الصفوف الخلفية، بل أردنا دائما ان نكون في الصف الأول، في النضال من أجل إحقاق حقوق شعبنا الوطنية، أو في الدفاع عن حقوق الإنسان أينما خرقت، أو في ممارسة مهنة الطب ومحاربة فيروس الكورونا الغدار. أنت أخي نبيل كنت مقداما، وشجاعا، وعالي الإنسانية، كونك طبيبا ماهرا وحسن السيرة في جزيرة سردينيا
أن تكون في الصف الأول هناك دائما ثمنا يدفع. وأنت أخي نبيل دفعت الثمن غاليا هنا بإصابتك بالكورونا، وبوضعك أكثر من ١٤ يوم في العناية المركزة، وبالنهاية دفعت ثمن حياتك لذلك
أنا نبيل خير عرفته بالكويت، وكان عمره ١٤ سنة، انا كنت العب كرة القدم في الفريق الأول مع نادي نابلس، وهو كان مع الأشبال. وبعدها التقينا من جديد في إيطاليا لدراسة الطب، انا وصلت في عام ١٩٧٢ وهو في عام ١٩٧٦، ومن ذلك التاريخ لم نفترق مطلقا.في عام ١٩٨٢ وقبل الغزو الإسرائلي للبنان وإقتراف مجازر صبرا وشاتيلا، قمنا بتشكيل قيادة فرع ايطاليا للإتحاد العام لطلبة فلسطين، ووحدتها في روما، مركز الفرع. تسلمت انا رئاسة الفرع الوطنية وتسلم هو مسؤول وحدة روما، قلب الفرع، تقريبا لمدة ٣ سنوات
معا وسويا جبنا كل مناطق إيطاليا، لشرح القضية الفلسطينية للجمهور الإيطالي وكسب الرأي العام الإيطالي لصالح قضية شعبنا الفلسطيني، والاعتراف بحقوقه المشروعة، حقه في تقرير المصير، وحقه في العودة الى أرض وطنه، وإقامة دولته الحرة المستقلة بعاصمتها القدس الشريف
لم ولن يوجد فلسطيني لم يعرف نبيل خير، بابتسامته الدائمة، وصوته الجهوري، وحركته وعمله الدائم من أجل فلسطين.نبيل كان شعلة متوقدة، كان مناضل عتيد وعنيد، فتحاوي ومسيحي أصيل (قليلين جدا ولهذه الأيام الذين كانوا يعرفون أن نبيل مسيحي)، وبعدها بفترة أمينا لسر لجنة الإقليم. كان علما ومرجعية لنا جميعا
في عام ١٩٨٥ غادرنا للعيش الى جانب زوجته وزميلته الدكتورة ريتا في مدينة كالياري، والتي أنجب منها ٣ أبناء رائعين، وليمارس مهمته الوطنية من خلال الهيئة الإدارية للجالية الفلسطينية والمهنية في سردينيا، ولحد الأمس
في العام ٢٠١٢، وبالتعاون مع جميع الجاليات الفلسطينية في أوروبا قمنا بعقد المؤتمر الأول للإتحاد العام للجاليات الفلسطينية في أوروبا، في بودابيست، وتم إنتخابه نائبا للرئيس، هذه الصفة التي بقيت له وللاسف لغاية الأمس
وللأسف فإن نبيل تعرض في حياته للحظة سوداء وضياع، أحس بها القليلين المقربين، بعد فقدان قرة عينه، إبنته ياسمين في حادث رهيب في عمان في الأردن، عن عمر لا يتجاوز ال ٢٤ سنة، ومع كل جهدنا ووقوفنا إلى جانبه وشد أزره، ومع كل عنفوان صموده ومقاومته وإستمراره في العطاء والعمل من أجل قضية شعبه، إلا ان تلك الفاجعة أصابته في الصميم، تاركة أثرها السلبي على مجرى حياته العام
سيبقى نبيل خالدا في قلوبنا، وعقولنا بإبتسامته الجميلة الحزينة، وبصوته الجهوري الرنان، وبإرادته التي لا تلين، والملوءة بالتضحية والأمل. وسيبقى دائما معنا وفي نضالاتنا خالدا من أجل فلسطين حرة، علمانية وديمقراطية
العزة والمجد لك في الأعالي، ولتنم قرير العين
رحمك الله وادخلك فسيح جناته، وانا لله وانا اليه راجعون
روما، ٢٠٢٠/٤/٩
أخوك د. يوسف سلمان
رئيس الجالية الفلسطينية في روما واللاتسيو