Facebook RSS
الصفحة الرئيسة رسالتنا ارسل مقالاً اتصل بنا

الاسلامي الحقيقي (لا الاسلاموي)

 إن الإسلامي اليوم بحاجة إلى أن يفكك شخصيته نقديا كما يفكك فعالياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية وكل منظومته الثقافية، بما يعزز مكانته في العالم، كذلك يعزز المكانة التفاعلية لإسلاميته، وبحاجة إلى تغيير الأطر والاستراتيجيات الإيمانية، والتفاعل في المجتمع المحلي والعالمي وفق المعايير التي توصلت إليها الإنسانية في الوقت الراهن
د.أحمد السامرائي

اللغة العربية والهوية الجزائرية

نشر بتاريخ: 2017-08-22

هي أسابيع قليلة تأبى فيها الحروف أن تطيعني، وترفض يداي ترجمة ما يدور بخاطري، ورسم مشاعري وأحاسيسي التي أصبحت عاجزاً حتى عن فهمها، وعن السبب الذي انتابتني له، رغم ما يحصل في عالمنا، لو أطلقت العنان لقلمك لما حوت مئات المجلدات ما نصفه به، وأنا بدوري لست ممن يحاول اختلاق المواضيع التي تبدو مبتذلة من عناوينها، بل عاهدت نفسي منذ أن بدأت محاولاتي الأولى للكتابة،

أن لا أسمح لقلمي إلا بالخوض في المسائل الجدية، وذات الطابع الحقيقي، فرغم أن عهدي بالكتابة ليس بالطويل، فإنني أدركت بسرعة أن قواعد الكتابة، سواء الصحفية أو الأدبية، ليست كما تنظّر لها الكتب والمؤلفات، وليست كما أسس لها أساتذتنا الأوائل والسابقون، خصوصاً في وجود الإنترنت والتطور الرهيب الذي شهده العالم، من تعدد لمواقع التواصل الاجتماعي، التي أزالت ذلك الاحتكار، وتلك الرتب، ككاتب متمرس وكاتب مغمور، وأصبح الكل قادراً على الكتابة والتعبير عن آرائه بكل حرية، وإن كانت حرية جزئية في كثير من البلدان، غيرت هذه الثورة الافتراضية معايير شتى ومفاهيم وشروط الكتابة والصحافة، بل وحتى المثقف كمفهوم وكدور، لم يعد كما عرفه إدوارد سعيد أو جورج لوكاتش؛

لذلك قبل الحديث عن دور المثقف وأهميته في المجتمع، وقبل تثمين مجهوداته كمحرك لعجلة الفكر في أوطاننا، علينا أولاً أن نتفق على مفهوم خاص لماهية وكنه هذا المصطلح، ففي زمننا هذا لم تعد العامة أو المجموعات الشعبية هي التي تمنح شخصية ما تلك الرتبة والميزة وتلك الألقاب، فقد أصبح اليوم أسهل بكثير، فحسابك على أحد مواقع التواصل الاجتماعي قادر على أن يرسم لك معالم شخصيتك الوهمية، التي يجب أن تؤدي دورها بكل احترافية، فمفاهيم المثقف القديمة والتقليدية لم تعد ذات أهمية في عصر العالم الافتراضي والمشاعر الإلكترونية.

ليس من عادتي الرد على مقال قرأته، أو رأي اعترضني، لكن الموضوع الذي سأخوض فيه في هذا المقال موضوع شائك، ويجب التعامل معه بحذر شديد، كان المقال بعنوان: الجزائر ليست جزءاً من الجزيرة العربية، يتناول فيه المدوّن إشكالية اللغة العربية في الجزائر، وخاصة لدى العامة، فبرغم تحليله المنطقي والسليم، الذي جاء متدرجاً في الموضوع، فإنه دون أن يعلم أنساق لا شعوره الجمعي، وقع في زلات مَن يرغب بنقدهم، الجزائر ليست جزءاً من شبه الجزيرة العربية، جغرافياً فقط، أو ربما إذا تحدثنا عن الحاضر فقط، لكن تاريخياً وحضارياً وثقافياً نهلت الجزائر من الإرث المشرقي، ليس لحد التبعية،

لكن فضل المشرق على الجزائر لا ينكره إلا جاحد، سمّه استعماراً أو سمّه غزواً أو سمّه فتحاً، إشكالية المصطلح يمكن أن نتجاوزها، لكن الشكوى المدون من الإقصاء ومحاولة فرض نمط عيش محدد على الجزائريين، مارسه هو الآخر في تحليله دون وعي بذلك، أو كما قلت في أول المقال عن طريق لا شعورك الجمعي، الجزائر ليست جزءاً من شبه الجزيرة العربية، لكن اللغة العربية جزء كبير من الجزائر وهويتها، وتقديسها لا يقتصر على الإسلاميين بعد الاستقلال، بل على النسبة الأكبر من المجتمع الجزائري، بل إن أي استهانة بمكانة اللغة العربية هي إنكار للدور النضالي الذي أدته جمعية العلماء المسلمين في تنوير الفكر الشعبي، والرفع من مستوى الوعي التحرري لدى الفرد الجزائري، بل وتاريخياً أيضاً بيان أول نوفمبر/تشرين الثاني أو ثورة نوفمبر لم يكتب إلا باللغة العربية،

للأسف كان يمكن لمقال أن يكون أكثر موضوعية، لو نقد المدون الفكر لا اللغة، فالجميع يعلم أنه في الجزائر وفي كثير من بلدان المغرب العربي، مشكلة النخبة أنها منقسمة لشقين لا ثالث لهما، بين دعاة التغريب والدعوة للانسلاخ عن الهوية الجزائرية، وبين الأصوليين الذين يحاولون العودة بمجتمعاتنا للوراء، بحجة الدين الإسلامي، الذي هو بريء مما يدعون، أما أروقة الجامعات فهي ليست معياراً؛ لأنه كما نعرف هناك مَن يرغب في إبقاء معاملاتنا وإداراتنا فرنسية اللغة خدمة لمصالحه، فحتى إن تبرأت الجزائر من شبه الجزيرة العربية، فلا يمكنها التبرؤ من اللغة العربية، بل فخرنا دوما أننا جزائريون، سواء بلسان عربي أو أمازيغي، لكنا روحنا وحتى صفاتنا الخَلْقية والخُلُقِية هي انعكاس لهذه الأرض التي وُلدنا وكبرنا فيها، والتي لا نساوم عليها، ولا يحق لأحد الطعن في انتمائنا لها، مهما كانت توجهاتنا وأفكارنا وأيديولوجياتنا، واختلافاتنا، بل بالعكس اختلافنا ليس إلا دليلاً على ثراء فكرنا وتعدد مشاربه، فنحن كما علمونا في مدارسنا أمازيغ عربنا الإسلام، والإسلام هو الذي علمنا أن احترام أفكار الغير واجب وليس فضلاً.

يوسف جمال بكاكرية
Developed by