ترى د. إلهام عبدالحميد في كتابها "أزمة تعليم أم أزمة مجتمع.. إشكاليات تطويير المناهج نموذجا" والصادر دار مركز المحروسة أن التعليم في مصر كان هدفا ركزت عليه التيارات الإسلامية والإخوان على وجه التحديد لادراكها أهمية تلك المؤسسات لنشر ثقافتها منذ عقود طويلة، وساعد على ذلك غياب الرؤية العلمية والنقدية في ظل سياسة مبارك مما أدى إلى وجود أرض خصبة لظهور وتسييد ثقافة التمييز.
وساعد على تحقيق ذلك أيضا تدني الخدمة التعليمية لاسيما في المدارس الحكومية لضعف كليات التربية وافتقادها لبرامج إعداد مهني تستند على التحديث وتكسب مهارات اجتماعية وثقافية ومهنية متطورة، وأصبح غالبية المعلمين إما لديهم انتماءات إيديولوجية "دينية إسلامية" وإما ليس لديهم أي مهارات أو دور سوى البحث عن الدروس الخصوصية.
وتوضح "على الرغم من وجود حركة نشطة في مجال التعليم على مستوى العالم وفي بعض بلدان العالم الثالث سعت لتحرير المدارس والتلاميذ من هيمنة النظام الاجتماعي والتأكيد على حرية الطلاب في اختيار مواد الدراسة والأنشطة وتنظيم قدراتهم بأنفسهم وفتح قنوات بين المدارس والمجتمع وإدخال مفاهيم وأنشطة ترتبط بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتربية المدنية إلا أن المدرسة العربية، وفي مصر على وجه التحديد، شهدت تراجعَ في العقود السابقة حيث غابت الأنشطة بكل أشكالها وركزت المناهج على تعظيم وتمجيد الحكام وعرض المعارف والمعلومات بشكل أحادي.
وأكدت العديد من الدراسات على أن مناهج التعليم في مصر والمنظومة التعليمية برمتها تنشر قيما لا علاقة لها بقيم الانتماء والمواطنة، وأن كثيرا ما نجد قيم العداء للدولة المدنية والمؤسسات المدنية والتشريع المدني، وأنه يوجد ارتباط واضح بين مناهج اللغة العربية والتربية الدينية وبين موضوع العنف الديني.
وترى د. إلهام أن المناخ التعليمي يغلب عليه الخطاب الديني داخل حجرات الدراسة ومن خلال المنهج الخفي والنسق القيمي الذي يقدمه المعلمون الذين تم إعدادهم وتأهيلهم من قبل تيار الإسلام السياسي الذي خطط طوال عقود لإعداد معلمين منتمين إليهم وتجنيدهم للعمل كمدرسين بمجرد تخرجهم، كما تم اختراقهم للتنظيم النقابي لتكوين جماعات ضغط في رسم السياسيات التعليمية بل محاولة اختلاق المؤسسات التي تقوم على وضع السياسيات التعليمية ومراقبتها.
وقد انعكست تلك السياسيات التربوية على المناهج التعليمية والإدارة المدرسية والأنشطة التي تم صبغها بالصبغة الإسلامية وإهمال ورفض الأنشطة الثقافية والفنية والعمل على تسييد ثقافة التمييز من خلال فصل البنات عن الأولاد في حجرات الدراسة وإرهاب التلميذات لارتداء الحجاب بل النقاب في بعض المدارس، وممارسة العنف البدني واللفظي من خلال التأكيد على استراتيجيات تعليمية تستند إلى التلقين والقهر ورفض قيم الحوار والحرية والديمقراطية في البيئة الصفية وغياب مناهج تتناول حقوق الإنسان والتربية على المواطنة.
وتشير د. إلهام عبدالحميد إلى أن التعليم المصري بمؤسساته وأهدافه ومنظومته لا يزال عاجزا أمام العديد من الإشكاليات منها، إشكالية الطلب المجتمعي على التعليم حيث لا يزال التعليم الأساسي لا يستوعب جميع الأطفال، وإشكالية التمييز الذي يأخذ أشكالا مختلفة على أساس النوع والديانة والطبقة الاجتماعية، وإشكالية الثقافة التقليدية التي تستدعي الحفظ والأحادية والتقليد والطاعة والخضوع ومن ثم غياب ثقافة النقد والإبداع والحوار والتسامح، وإشكالية جمود المنظومة التعليمية برمتها من محتوى تعليمي وطرائق التعليم والتقويم.. إلخ، وإشكالية انخفاض المستوى الاقتصادي والاجتماعي للمعلم، وما ترتب عليه من انتشار الدروس الخصوصية والعنف وهجرة المدارس من الطلاب والمعلمين.
وترجع الأسباب إلى أولا على المستوى السياسي: غياب رؤية ومشروع سياسي يتبنى قضايا التعليم في مصر، ولعل الميزانية المحددة للتعليم المصري تكشف عدم جدية الدولة في تطوير وتغيير المنظومة التعليمية برمتها، وظل التعليم يعكس توجهات تخدم النظام السياسي الذي يكرس الواقع وييعيد إنتاجه. كما حرص على غياب الديمقراطية في كل مؤسساته وكانت المؤسسات التربوية أكثرها غيابا لممارسة الديمقراطية والحرص على حقوق الإنسان.
ثانيا على المستوى الثقافي: سادت المؤسسات التربوية والاجتماعية ثقافة تقليدية تستند على الرؤية الأحادية وتستهجن الحوار والمناقشة، كما سادت القيم التي تدعم العنصرية في مواجهة التسامح وقبول الآخر والأحادية في مواجهة التعددية، وقد غابت جميع أنواع الأنشطة في المدارس وأصبح الطالب مجرد متلقي يحفظ من أجل استظهار المعلومات واسترجاعها في الامتحان دون أن يمتلك مهارات تمكنه من الالتحاق بسوق العمل والمشاركة والتفاعل مع المجتمع.
ثالثا: على المستوى الاجتماعي: لم تمكن مؤسسة التعليم الطالب الذي تجعله متمكنا من التواصل والاتصال والتفاعل والمشاركة بمؤسسات مجتمعة ومن ثم انعزلت عن المجتمع.
وتتساءل د. إلهام لماذا فشلت محاولات تطوير التعليم ولم تحقق أهدافها؟ وتقول "في إطار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمصر في العقود الثلاثة الماضية نلاحظ: أولا انسحاب الدولة من قيادة عجلة التنمية في المجتمع دون وجود بديل لها، وتكونت طبقة مالكة علوية ضيقة التكوين كثيرة المال، وطبقة وسطى تتآكل بشكل مستمر وطبقة دنيا والسعة.
وقد انعكس ذلك على التعليم حيث انخفضت نوعية الخدمة التعليمية التي تقدم في المدارس الحكومية التي تستوعب النسبة الكبيرة من الطبقات الصغيرة.
ثانيا: معلم ضعيف على المستوى الثقافي والاجتماعي والمهني. ومناهج جامدة لا تواكب العصر، وثقافة تتجه نحو التمييز حيث تتراجع على المستوى الفردي والمجتمعي تجاه قضايا المرأة أو اتجاه حقوق المصريين المسيحيين.
ثالثا تقديم خطاب تعليمي غير مطور ولا يتضمن إلا قدرا قليلا من المفاهيم المرتبطة باحترام العمل وحقوق الإنسان وقبول الآخر والتسامح واحترام الاختلاف والتنوع.
رابعا: تحول ثقافي في منظومة القيم حيث تتراجع قيمة العمل والاتجاه نحو التعصب والتطرف وزيادرة الشكوك الطائفية وروح الفردية والبحث عن الحلول الفردية.
ومن أبرز التوصيات التي وضعتها د. إلهام لتغيير واقع المؤسسات التعليميية لتواكب أهداف المرحلة ومتطلبات المجتمع المصري في ظل التحول الديمقراطي:
1 ـ توفير برامج تعليمية تستهدف تنمية الوعي القانوني والحقوقي والتأكيد من خلالها على قيم الانتماء والمواطنة.
2 ـ تصحيح المفاهيم لدى الطلاب والمعلمين من خلال تغيير المناهج التعليمية وتغيير مناخ الثقافة المدرسية لصالح علاقة بين المعلمين والطلاب تستند على الحوار والديمقراطية ويبتعد عن الوعظ والارشاد.
3 ـ صياغة تصور لدور المدرسة في دعم المسئولية الاجتماعية وتشجيع العاملين بوزارة التربية والتعليم على المشاركة في صنع القرار الخاص بالعملية التربوية والمجتمعية والأعمال التطوعية.
4 ـ تطوير الخطاب التربوي وتنقيته من أي أفكار ومعلومات تساهم في تنمية التفكير الأحادي والتطرف والعمل على تقديم خطاب يحمل رؤى وتوجهات متعددة ويتسم بالموضوعية والقيمية ويسهم في تنمية التفكير الناقد.
5 ـ التصدي لثقافة الصمت والقهر من خلال تدريب المعلمين على ثقافة الحوار ودعم الأنشطة المدرسية والصيفية وربط المدرسة بالمجتمع المحيط بها ونشر ثقافة المواطنة في مواجهة ثقافة التمييز من خلال تنمية الطابع المدني الديمقراطي للمؤسسة التعليمية واستحداث آليات وقوانين لتحقيق تكافؤ الفرص، وإنشاء لجنة لتلقي الشكاوى الخاصة بالمجتمع.
6 ـ تحديث المؤسسة التعليمية في ضوء الاتجاهات الإيجابية التي توصلت إليها الدراسة، وفي ضوء متطلبات وأهداف المجتمع المصري بعد الثورة وذلك من أجل تحقيق التحول الديمقراطي ومن خلال تفعيل دور الاتحادات الطلابية واللجان المنبثقة منها ومن خلال الأنشطة المتنوعة التي تكسب الطلاب مهارات التفكير والعمل الجماعي واتخاذ القرار ونبذ العنف والتطرف.
محمد الحمامصي