نشر بتاريخ: 2020-09-14
جهاد أبو هاشم من الرياض
عزز مجلس الوزراء من ريادة المملكة ثقافيا، بالموافقة على إنشاء مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، ضمن مبادرات ثقافية تنفذها وزارة الثقافة، للمساهمة في إبراز مكانة اللغة وإثراء المحتوى العربي في مختلف المجالات.
المملكة - عبر تاريخها - أولت لغة القرآن الكريم اهتماما بالغا، بدءا من النظام الأساسي للحكم، الذي نص في المادة الأولى من المبادئ العامة على أن تكون اللغة الرسمية للمملكة، وسبق ذلك تسمية الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - الدولة باسم المملكة العربية، ولا ينتهي ذلك الاهتمام الاستثنائي بعشرات القرارات والمبادرات التي تؤكد الدور المعرفي للدولة، وتأثيره في محيطها والعالم.
يحمل اسما غاليا
لمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية رؤية واضحة، كشف عنها للمرة الأولى في حفل إطلاق استراتيجية وزارة الثقافة في مارس العام الماضي، بعد أن افتقدت المملكة مجمعا ذا صفة مرجعية رسمية، على غرار مجامع اللغة في مصر والشام والعراق، للحفاظ على سلامة اللغة، وإن كان مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية قد حاول سد هذا الفراغ، وتمكن من نشر 180 كتابا لغويا منذ تأسيسه.
أما مجمع الملك سلمان، فيسعى لأن يصبح مرجعية عالمية من خلال نشر اللغة العربية وحمايتها، ودعم أبحاثها وكتبها المتخصصة، إضافة إلى تصحيح الأخطاء الشائعة في الألفاظ والتراكيب، وإعداد الاختبارات والمعايير لها، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في خدمتها، وصناعة المدونات والمعاجم، وإنشاء مراكز لتعليمها، إضافة إلى إقامة المعارض والمؤتمرات التي تعنى بها، وترجمة الإنتاجات المعرفية والعالمية.
كما سيعمل المجمع على تعزيز الهوية الثقافية العربية، وتشمل أنشطته دعم تطبيقات ومنتجات وأبحاث اللغة العربية في المملكة والعالمين العربي والإسلامي.
وبهذه المناسبة، ثمن الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة، "فالمجمع يحمل اسما غاليا علينا جميعا، تثمينا وتقديرا لخادم الحرمين الشريفين ولجهوده المخلصة لخدمة الثقافة العربية وحرصه على اللغة العربية ودعمه لكل الجهود المبذولة في سبيل صونها والمحافظة عليها"، موضحا أنه سيكون مجمعا عالميا لخدمة اللغة العربية ودعم تطبيقاتها اللغوية الحديثة، ما يؤكد ريادة المملكة في خدمة لغة القرآن الكريم.
مجمع تلا 150 قرارا
يقول خادم الحرمين الشريفين، المعروف بعشقه للتاريخ والثقافة وغيرته على لغة الضاد، في إحدى خطبه، "بلادنا تستحق منا جميعا أن نعمل حتى نكون في مستواها، بلاد الحرمين الشريفين مهبط الوحي، ويتجه إليها كل مسلم خمس مرات يوميا، وفيها النبي العربي، الذي أنزل عليه القرآن بلغة عربية، وكما هي فخر لنا، فهي أيضا حمل علينا ويجب أن نتحمل الحمل".
بهذه الكلمات أكدت القيادة أهمية اللغة، والمسؤولية التي تقع على عاتق الجميع، وترجمت جهودها في مجال اللغة من خلال المشروع المشترك الذي قدمته مع المملكة المغربية لمنظمة اليونيسكو، وأثمر في عام 2012 إقرار يوم 18 ديسمبر يوما عالميا للغة العربية.
يعد مجمع الملك سلمان امتدادا لما سبقه من قرارات سعودية، بلغت نحو 150 قرارا، وجدت من أجل إبراز مكانة اللغة إقليميا وعالميا، سبقته عشرة معاهد حكومية داخل المملكة لتعليم غير الناطقين باللغة، ونحو 35 برنامجا علميا تمنح درجة البكالوريوس في تخصصات ذات اتصال مباشر باللغة وآدابها، في 26 جامعة سعودية، إضافة إلى معاهد وأكاديميات وكليات وأقسام جامعية في عدد من الدول العربية والإسلامية، تدعمها إصدارات وسبعة كراسي بحثية خارج الحدود، ومدارس ومعاهد مخصصة لتعليم العربية لغير الناطقين بها، وجوائز لتشجيع جهود الحفاظ على اللغة، مثل فرع اللغة والأدب التابع لجائزة الملك فيصل العالمية، وجائزة مركز خدمة اللغة العربية، ومسابقة سوق عكاظ للشعر الفصيح، وغيرها من الجوائز الإبداعية.
وبحسب تقرير الحالة الثقافية في المملكة، الصادر أخيرا عن وزارة الثقافة، فقد سجلت المملكة الريادة في تأسيس مراكز لتعليم اللغة العربية خارج المملكة، بلغت خمسة معاهد وكليات، في موريتانيا، إندونيسيا، جيبوتي، طوكيو وجزر المالديف، إضافة إلى مركز الاستعراب في أذربيجان، ومركز الأمير سلطان لتعليم اللغة العربية في الجامعة الحكومية في موسكو.
رابط بين الشعوب
لقي قرار إنشاء مجمع الملك سلمان ترحيبا عربيا من المتخصصين والمهتمين، على رأسهم الدكتور عبدالحميد مدكور أمين مجمع اللغة العربية في القاهرة والأمين العام لاتحاد المجامع اللغوية العربية، الذي وصفه بأهم الأحداث التي ظهرت على الساحة الثقافة العربية أخيرا، لما يترتب عليه من تأثير إيجابي في حقل الثقافة اللغوية العربية على امتداد الأمة والوطن العربي، مشيرا في تصريح صحافي إلى أن المجمع يمثل قيمة عالية المكانة والقدر في خدمة اللغة العربية وتوطينها، كلغة علم وحياة، ورابطا جامعا بين الشعوب العربية، يكتسب أهميته من أهمية اللغة في ذاتها وأهمية المملكة في موقعها بين شعوب الأمة العربية.
وقال، "سيكون للمجمع مقام كبير في التعاون والتكامل مع المجامع اللغوية العربية الأخرى، وسيتخذ من بينها مكانا شديد الأهمية من أجل حماية اللغة العربية أولا، والتمكين لها في العالم وعلى ألسنة المتحدثين بها، وفي وسائل الإعلام وفي مناطق التعليم خصوصا الجامعات التي تدرس بلغات أجنبية، وفي مواجهة إبعاد اللغة من محيطها الثقافي لتكون اللغة العربية حاضرة في التعليم والإعلام وفي المؤسسات العامة التي تخاطب الجمهور، بحيث لا تكون اللغة العربية لغة ثانية في البلاد العربية، وهذا المأمول واليقين في دور المجمع".
من جانبه، قال حمد القاضي الأديب السعودي، "إن إنشاء مجمع لخدمة الضاد في وطن الضاد خبر مفرح، للحفاظ على لغتنا العربية التي تمثل أحد مكونات هويتنا"، منوها بتتويجها باسم ملكنا سلمان، الذي عرفناه بغيرته على لغته وأصالة وثقافة الأجيال، ولن يقتصر على العمل المعتاد للمجامع في مجال التعريب فقط، بل سيضيف نشر العربية ومواجهة التحديات التي تؤثر في الاحتفاء بها داخليا، وسيعمل على نشرها عالميا، فيما أكد الدكتور حمد السويلم رئيس نادي القصيم الأدبي أن المجمع يمثل أهم حدث ثقافي يحسب لوزارة الثقافة، فهذا المجمع سيؤكد مركزية المملكة العربية السعودية ومكانتها في العالم، ليس في الجانب السياسي والاقتصادي فحسب، بل في البعد الحضاري والثقافي، فاللغة هي وعاء الحضارة وهي الحامل للهوية وللفكر والثقافة.
أما تشن وي السفير الصيني لدى المملكة، فهنأ في تغريدة له بتأسيس المجمع في مسقط رأس اللغة العربية، مبينا أن تاريخ تدريس اللغة في الجامعات الصينية يمتد إلى 70 عاما، "وسنواصل التبادل والتعاون اللغوي والثقافي والتعليمي مع المملكة، حتى يرث شعبانا خاصة شبابنا صداقتنا التقليدية ويوجد مستقبلنا المشترك".