نشر بتاريخ: اليوم
من المفترض أن تصبح قدرة النظم الصحية على التصدي للتهديدات البيولوجية أكبر في أعقاب تجربة الفيروس التاجي، إلّا أن ذلك سيكون مصحوباً بنضوب في حقول الموارد الوطنية، وتفاقم توترات الجغرافية الصحية، ونشوء أزمات متزامنة، وعلى هامش الأزمات المتعلقة بالأوبئة والجائحات، ونشير هنا إلى فجوة محتملة في كيفية تفكير الأمم في مفهوم أمنها الوطني والقومي، حيث أصبح الفضاء الخارجي، وظواهر ما وراء الطبيعة، وتسخير الطبيعة والأسلحة الخفية، من ضمن ترسانة قوى الدولة كذلك، وكيف أن الهياكل الحالية والكثير من العقليات القيادية والتنفيذية لا تخدم تهديدات الطيف الكامل، والتي تشمل كل ما فوق الأرض وتحتها، وكل ما هو في السماء الدنيا وخلفها، وبالتالي فالحاجة ملّحة إلى رفع نوعية ووتيرة تخطيط الدول، ليتواكب مع السفر عبر بوابة المكان والزمن في هذا الإطار.
وبما أن الأمن يتم قياسه نسبةً إلى التهديدات القائمة والمحتملة، فإنه من غير الممكن تحقيق أمن مطلق ضد كل التهديدات المحتملة، ومن المهم تحديد مستويات عدم الأمن التي يمكن أن تكون مقبولة، وإدراك أن الأمن القومي ليس موقفاً جامداً يوجد في فراغ، وإنما يتم تحديده في ضوء كل من البيئتين الدولية والمحلية، والتي يتغير كل منهما بشكل دائم، بالإضافة إلى البعد الثالث، وهو قوى الطبيعة داخل كوكب الأرض والقادمة من خارجه.
وما بين إنشاء مدن فضائية، تزن الواحدة منها ألف طن على الأقل، والتي ستجرى فيها التجارب إلى الصناعات الخاصة بالإلكترونيات والكيمياء الحيوية والتعدين والطب...إلخ، تتنوع الاتجاهات الجديدة كإقامة جزر عسكرية على شكل جزر صناعية عملاقة، وبناء قاعدة عسكرية بحرية متكاملة بأي مكان في العالم خلال شهر واحد فقط، باستخدام تكنولوجيا النانو، ومفهوم الغبار الذكي، وهو مشروع تطوير لواقط إلكترونية دقيقة للغاية، لا يتعدّى حجمها حجم ذرات الغبار، ولا تتعدّى مساحة الواحد منها ملليمتراً مربعاً واحداً، وكل حبة غبار تعمل عمل كمبيوتر حقيقي كامل يتمتع بالقدرة على الحساب، ويستخدم الذاكرة ويسهّل عمل الاتصالات، وتجديد الأقمار الصناعية القديمة في الفضاء، بعد أن دخل الفضاء للمرة الأولى مسرح العمليات العسكرية للحرب، والتجسس البيولوجي، ومهاجمة النظام البيئي لمساحة جغرافية محددة أصبح واقعاً قائماً.
وما تطرحه الأزمة الراهنة، هو قدرة الدول على الاكتشاف والرصد والتقصّي، والمنع لانتشار الفيروسات والتعافي منها، والسيطرة على تحركات السكان وجعلها آمنة، وإدارة فعّالة للبيانات وتحليلاتها، وجعلها ركيزة إدارة الأزمة، وذلك كمعرفة من هم الأكثر عرضة، وكيفية الوقاية والحماية حسب السن والموقع والتاريخ المرضي وفصيلة الدم..إلخ، ووضع الحواجز الإلكترونية التي تكفل الحجر والعزل الذكي، وإنذار الأصحاء لمنعهم من الإصابة بالعدوى.
فمن يملك التكنولوجيا الفائقة والبيانات الكبرى، يملك فرض القوة والسلطة أو حرمان جهة ما منها، كما ستلعب الأوبئة واللقاحات والغزوات المناخية والكوارث التي ستبدو طبيعية دور العراب في مفهوم الأمن القومي وكيفية تحقيقه، والسؤال الأهم: هل سيتحدث الناس عن أمن قومي؟ أو أن الأمن سيصبح أحد الصادرات التي ستدفع الدول مقابلاً للحصول عليه؟ وهو بحد ذاته أمن المستقبل والدور المبهم لتقنية الـG5، وأتمتة الأرض والهيمنة على الفضاء الخارجي، وأسرار تكنولوجيا بدائل الأغذية والصحة العامة والخرائط الجينية، وهل ستملك الدول خيار تحديد مصيرها الأمني، أو تأجير واستئجار الأمن بدلاً من تملّكه؟!
سالم النعيمي