Facebook RSS
ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ رسالتنا ارسل مقالاً اتصل بنا

صراع البدر والمُحاق

صراع المحاق والبدر أو صراع الفسطاطين أو المعسكرين الإقصائي المقصد، مما أشار له عديد المنتمين للحركة الاسلاموية سواء ممن خرجوا منها الى غير رجعة، أوحتى من المنصفين ممن بقوا فيها، تجده أيضًا في خطاب "حماس" السياسي بشكل فاقع كلما اشتدت بها الأزمات وبدأت بلعن السلطة الوطنية وأهلها، فلا تجد المدد الا بمثل هذا الخطاب الفتنوي.

إن فكرة الانقلاب حين "التمكين" والانفصال هي فكرة أصيلة في الفكر الاخواني بالطبعة المتشددة، تنتظر حالة التمكين والوثوب! وماذا بعد التمكين بالقوة حين أخلت "اسرائيل" الساحة في غزة بقصد، ودعمت القوى الاقليمية الوثبة الاخوانية بمنطق أمريكي لا يبتغي الا الفتنة وسيادة الاحتلال؟ إذ ليس بعد هذا التوافق الفكري والميداني الا تحقيق الوثبة وهو ما كان.

المنخاش...وحقوق الحمير... وأم كلثوم.. كما يكتب د.عامر خالد

نشر بتاريخ: اليوم

المنخاش...وحقوق الحمير... وأم كلثوم..
انطلقت قافلة الشباب الخمسة، وهم يركبون حميرهم، في صباح يوم من أوائل شهر مايو من عام ١٩٣٥، متجهة من قرية عين غزال باتجاه مدينة حيفا.

كانوا شبابا في ميعة الصبا، يبحثون عن ساعة للتسلية، ولإدخال السرور إلى نفوسهم، فكلهم فلاحون، وأبناء فلاحين ، لا يعرفون معنى للرفاهية ، بل يمضون فصول سنتهم ما بين فلاحة وزراعة وحصاد، أو رعيٍّ للأغنام في هضاب القرية وأوديتها.

وما أن سمعت مجموعة الشباب هذه، بأن بلبلة الشرق ( أم كلثوم) كما كانت تسمى حينها ستحيي حفلة في مساء الثامن من مايو عام ١٩٣٥، حتى عقدوا العزم على حضور ليلة الأنس هذه، مهما كلف الأمر...
تحايل كل شاب على أهلة وبطريقتة، للحصول على نصف جنيه فلسطيني، وهو رسم دخول الحفلة، ومنهم من باع قمحا، أو بيضا، أو تبنا، من أجل تأمين هذا المبلغ....
كانت المسافة بين عين غزال وحيفا تبلغ ٢١ كم، وهذا يتطلب منهم أن ينطلقوا باكرا على حميرهم، حتى يتسنى لهم الوصول مساء إلى (سينما عين دور) في حيفا، حيث ستقام الحفلة الغنائية...
اقترح أحدهم ان يذهبوا بحافلة( إبي عابد) الوحيدة، والتي كانت تنطلق منذ الصباح الباكر، وتعود مساء، إلا أنهم في نهاية المطاف أجمعوا على ان يذهبوا على ظهور حميرهم، وذلك لسبيين ، أولهما.. توفير اجرة الحافلة ذهابا وايابا، وثانيهما..حتى تتوفر لديهم وسيلة للعودة، لأن حافلة ابي عابد تعود عند العصر، بينما ستبدأ حفلتهم في التاسعة ليلا، ولن تنتهي حتى بعد منتصف الليل، وما شجعهم على ذلك، أن السينما المذكورة كانت مجهزة بمرابط لمطايا روادها من أهل القرى المجاورة..
غسل الشباب رؤوسهم باكرا، ولبسوا أجمل ثيابهم، فهم ذاهبون إلى المدينة، وفوق ذلك إلى حفلة غنائية سيحضرها علية القوم من أبناء حيفا، والذين سيكونون مزهوين ببدلاتهم الأنيقة... وطرابيشهم الحمر المائلة على رؤوسهم...

خضب الشباب شعورهم بزيت الشعر، وتفنن كل واحد منهم... في رد ( شاليشه)، بل تعطر كل من يملك منهم عطرا، و ركبوا حميرهم المطهمة، وشدو رحالهم إلى حيفا، لؤلؤة بلاد الشام... ونعيم الحياة الاجتماعية والفنية... آنذاك.

كانت فلسطين في تلك الفترة تخضع للإنتداب البريطاني، وقد رسمت سلطة الانتداب العديد من المراسيم والقرارات التي لم تكن سوى وسيلة لسلب المال وجباية الضرائب، من فلاحي فلسطين البسطاء...
واغرب مرسوم كان، إنشاء جمعية للرفق بالحيوان، تلك الجمعية التي كانت تغرم كل من يستعمل (منخاشا) لحث دابته على المشي، وكانت الغرامة كبيرة في حينها، ومقدارها جنيه فلسطيني، أو مصادرة الدابة،. في حال عجز صاحبها عن الدفع، وبيعها لصالح الخزينة العامة....
وقد أنشأت سلطات الانتداب حواجز متنقلة، في الطرقات العامة والفرعية، يقوم أفرادها بتفتيش أصحاب الدواب، إن كانوا يحملون (منخاشا) ، أم لا...
ولسوء حظ مجموعة الأنس هذه، فقد صادفتهم في منتصف الطريق دورية من دوريات حقوق الحيوان هذه....

وبصورة بدهية، وجدت الدورية أن كل واحد من شباب القافلة.يعلق منخاشا في (جلال)حماره، فنظمت في حق كل واحد منهم ضبطا، مع غرامة وقدرها جنيه عن كل واحد منهم، تدفع فورا....

لم يكن كل واحد منهم يملك أكثر من نصف جنيه، وهو رسم دخول الحفلة، فكان الرد بأن الحمير سوف تصادر، وتباع في المزاد العلني...
رافقتهم الدورية حتى مدينة حيفا، وساقتهم إلى مخفر للشرطة البريطانية، حيث صودرت حميرهم ، ووضعت في إسطبل إلى جانب المخفر، كان آنذاك، يستعمل كمأوى لخيول عساكر الشرطة، بينما واصل الرفاق طريقهم مشيا إلى سينما ( عين دور)، لحضور الحفلة، مخترقين أحياء وادي الصليب ، ووادي النسناس، والحليصة،. مستمتعين بمشاهدة الابنية المرتفعة، والشوارع الواسعة التي تضج بروادها، وغيرها من المشاهد التي يفتقدونها في قريتهم الصغيرة، الغافية على سفح الكرمل، ناسين مطاياهم، وبانتظار ذلك الصوت الشجي الذي سمعوه مرارا من (فونوغراف) القرية الوحيد، والموجود في مضافة المختار...

استمتع الشباب... بصوت أم كلثوم الشجي، وخصوصا بأغنية (على بلد المحبوب وديني)، و ( يا بشير الأنس)، التي أبكت جمهور الحضور،. كان الشباب يهزون رؤوسهم طربا، وتتعالى تأوهاتهم مع انتهاء كل قفلة غنائية، كانت شعورهم المخضبة بالزيت تتمايل مع تلك الانغام الجميلة، ولكن كل منهم كان يعاود ترتيب (شاليشه)، بعد انتهاء كل فقرة غنائية، طمعا في نظرة استحسان من إحدى فتيات حيفا الجميلات، اللائي كن يحضرن هذا الحفل، بأثوابهن الزاهية،. وبشعورهن المصففة ، والمزينة بالورود المتفتحة...

بدأت الطامة الكبرى عندما انتهت الحفلة وحانت ساعة العودة بعد منتصف الليل، فهم لا يملكون نقودا، ليناموا في حيفا، أو حتى ليأكلوا،. وقد انهكم الجوع ، بل لا يملكون حتى أجرة عودتهم... في باص (ابي عابد)، في اليوم التاني عصرا....

اقترح أحدهم وهو أشجعهم (محمد) ، بأن يتسللوا إلى الإسطبل، وأن يسرقوا(حميرهم)، لكي يعودوا عليها،
فراقت الفكرة لهم، لكنهم فوجئوا بأن الاسطبل مغلق بقفل كبير....

فقرروا ان يدخلوا إلى المخفر، ويستعطفوا الضابط الإنكليزي رئيسه، علّه يرأف بحالهم، ويعيد إليهم حميرهم...

أنبهم هذا الضابط، وهددهم بالسجن إن ألقي القبض عليهم مرة ثانية بهذه الجريمة، وأمر خفيرا إنكليزيا بفتح باب الاسطبل وإعادة حميرهم إليهم...

دخل الرفاق إلى الاسطبل، فوجدوا حميرهم...وقد طابت لها الإقامة و استأنست هذا الجو الجديد الجميل، حيث الأرضية النظيفة، والشعير الجيد، والماء النظيف....

حث الرفاق حميرهم، فأبت الخروج وحرنت وتثاقلت بعد أن امتلأت كروشها، على الرغم من كل المحاولات التي بذلها الرفاق لإخراجها من ذلك الاسطبل النظيف....

استعوقهم الخفير، فدخل عليهم الاسطبل، وسألهم عن مشكلتهم، وعن سبب تأخرهم في إخراج حميرهم، فشرحوا له المشكلة...
وسألهم عن الحل، وهم أخبر بحميرهم، وأدرى بمشاكلها وبسلوكها ، فأجابوه حميرنا ونعرفها...
ولا حل لها في مثل هذه الحالة، إلا (المنخاش)...

لكن منخاش كل منهم في خزانة الضابط، وإلى جانب ضبطه، محتفظ به كدليل على تلك الجريمة الموصوفة، ومن المستحيل ان يعيد إليهم ذلك الضابط (مناخيشهم) تلك ، سبب الجريمة النكراء التي اقترفوها...

أدخلهم الخفير إلى الضابط ثانية، فشرحوا له وأسهبوا فأعاد إليهم مناخيشهم ضاحكا، وقال مستهزئا. :
إن حميركم كما أنتم العرب، لا تمشي إلا بمنخاش، بل أخذ بنخسهم بمنخاش في يده، مبينا لهم الألم الذي يتعرض له الحمار عند وخزه بتلك الأداة الحادة...
استشاط (محمد) غضبا.... وقال للضابط :
يا سيادة الضابط، يبدو أن حميرنا وبهذه الساعات القليلة التي أكلت بها من شعيركم، وشربت بها من مائكم، قد أصبحت إنكليزية وتطبعت بطباعكم الباردة.
قال له الضابط : وكيف ذلك..
قال :
إن حميرنا هذه قد أصبحت مثلكم، لا تخرج إلا بمنخاش،
وكما انتم لن تخرجوا من بلادنا إلا بنفس المنخاش، والطريقة عينها...
إحمر وجه الضابط غضبا، وانهال عليه ضربا، وأمر الرفاق بالذهاب مع حميرهم إلا (محمدا) فقد حبس تلك الليلة مع حماره، وفي نفس الاسطبل...

خرج محمد من محبسة بعد أربعة أشهر، لكنه محمد الجديد. !!

لم يعد (محمد) يحمل منخاشا !! ، أو يركب حمارا بعد اليوم !! ، بل اشترى بندقية، وحملها متنقلا مع غيره من الثوار، بين جبال الكرمل، وأوديتها...

****

محمد... هو الشهيد محمد قاسم ابو القاسم... استشهد في معركة اليامون،بتاريخ الثالث من شهر مارس عام ١٩٣٨... ودفن في قريته عين غزال... ولا يزال قبره موجودا إلى الآن في مقبرة القرية...وله الصورة غير الملونة.... وكذلك القبر...

الشهيد محمد كانت نيته سماع اغنية تطرب لها أذنه
ولكن كلمة الظابط أثارت في نفسه الحمية
فلم يعد لقريته كما غادرها
لينسي التاريخ ذكر الظابط ولكنه لم ينسى ذكر أبا القاسم
عن صفحة الاديب القاص
د.عامر خالد
Developed by