نشر بتاريخ: 2020-05-12
كما وصلنا من حركة فتح ملف وتعميم النكبة وقضية فلسطين
الجزء الاول
في النكبة و العاصفة،وصناعة (إسرائيل).
هي مزيج من الألم الشديد حتى اعتصار الأحشاء، و الشعور العارم بالفجيعة لكن مع دفقات لا تنتهي من الأمل و الإرادة و التصميم ، وهي شعور بالانكسار الحاد والاندحار، و الخيانة والجدب يقابله رغبة عارمة في بلوغ حدود الصحراء نحو السواد والتغيير والتجدد فالانقلاب .
إن اقتلاع الفلسطينيين من جذورهم المستقرة منذ الأبد في فلسطين مثلت انقلابا حياتيا و نفسيا وفكريا ، أدى بالفلسطيني لأن يفكر ويبحث و يتبنى ما شاء من الأفكار التي ظن أنها ستوصله أو تعيده لفردوسه المفقود... فكانت الثورة.
لقد حوّل الفلسطينيون المشردون مشاعر السخط الشديدة إلى ثورة، و مشاعر الحزن إلى حياة وأمل ، وحولوا لحظات الفراق والغربة والعيون الدامعة تفيض عطشا، إلى قبضات حديدية ممسكة بالبنادق والحجارة و المناجل.
في ذكرى النكبة يقفز إلى الذهن قرار التقسيم 181 و قرار اللاجئين 194 وقيام دولة (إسرائيل) وحرب الدفاع الفلسطينية (والعربية) ضد مغتصبي أرضنا، ونكبة العرب و الفلسطينيين باقتطاع جزء من جغرافيا أرضنا و شعبنا ، والبدء بتزوير التاريخ وفق سياسة الإحلال الصهيونية لشعب تمت صناعته حديثا مقابل الشعب الأصلي ، و الإحلال لمسميات توراتية ما أنزل الله بها من سلطان أو أنها تحريفات لمسميات عربية مكان تلك الفلسطينية ، وتهجير القوميات المعتنقة للديانة اليهودية في العالم إلى بلادنا فلسطين ضمن القاعدة الصهيونية العتيدة المتمثلة بـ (الهجرة و الاستيعاب) وفق ما صرح بذلك - وما مورس بالواقع – مؤسس الدولة ديفيد بن غوريون.
خمسة أشكال للمعاناة صاحبت نكبتنا هي: الشتات والتوزع في أرجاء المعمورة ، وتشرد الناس عن بلادهم وعن مواطن سعادتهم وملاعب طفولتهم وذكرياتهم وأحبائهم، و اللجوء لأماكن أخرى افترض أنها مؤقتة فسقطت الفرضيات وساد المؤقت ، وما خالط ذلك من شعور بالألم و القلق و الغضب و النزيف و التحفز الذي أنتج رغبة عارمة بالتغيير لما أصبح لاحقا ثورة، لذا فان في نفس وخاطر وروح كل فلسطيني اليوم 5 معطيات مختلطة معا ما شكلت أبعاد شخصيته هي (الشتات، والتشرد، و اللجوء، و المعاناة و الثورة ).
لم يبخل الفلسطينيون على بلادهم بالجهد أو المال أو الدم فحملوا رايات الكفاح منذ وطأت أول قدم صهيونية هذه البلاد التي لم تعرف عبر التاريخ إلا نحن ، ومن جاء كان طارئا عابرا مارا مرور الكرام أو اللئام.
خلقت (إسرائيل) خلقا، و صُنعت صناعة استعمارية فلا شعب و لا وطن في حقيقة الأمر ، فأنى يكون لديانة أي ديانة في العالم أن تترابط في إطار قومي بها، و أنى لقبيلة أي قبيلة سائدة أم بائدة عربية أم أعجمية أن تحتكر ديانة دونا عن خلق الله ؟ ومن أين لغرباء غريبين قوميين أن يدعوا الانتساب لعرب (قبيلة بني إسرائيل اليمنية العربية المنقرضة)؟ لكنه النفس الاستعماري الاستكباري الاستعلائي الغربي الذي نبذ وعذب واشمأز من معتنقي الديانة اليهودية قرونا طويلة ليجد الحل لهم وفق عقليته هذه بعيدا عنهم، عندنا، فيحققون أهدافهم بإبعادها المختلفة.
لماذا صنع الغرب (إسرائيل)؟
إن كنا واضحين اليوم بان فلسطين كل فلسطين لنا ، فان قراءة الواقع الحالي و بنتيجته اليوم التي تقول أن الثوابت (الأهداف) الفلسطينية المتفق عليها هي إقامة دولة فلسطينية في حدود العام 1967 لا تعني إقرارًا لهم بالأرض أبدا، أو بالرواية أوبالتاريخ المؤسطر، وإنما تعني أن القيادة الفلسطينية تتعامل مع منطق القانون الدولي (على ظلمه) الذي أقر إنشاء دولة (إسرائيل) ومن هنا فقط نبدأ الحوار لا من منطلق الرواية التوراتية (و المأخوذ عنها الرواية العربية الإسلامية التي تسبح في مستنقع الرواية التوراتية) التي تسود اليوم محاولة حمل الفكرانية (الايدولوجية) المشبعة بالخرافات و الأساطير على أجنحة سياسية.
من هنا نبدأ أي من (النكبة) عام 1947 و ليس قبل ذلك ما يثبت اليوم من خلال الأبحاث الحديثة و الدراسات وعلم الآثار كذبة وتلفيقية وأسطورية ما يدّعون، فلا أرض كانت لأحد غيرنا و لا شعب تشكل غيرنا في هذه البقعة من الأرض، و ما صناعة التاريخ إلا أدوات تزوير أتقنوها فيما يقول الله تعالى عنهم أي عن كهنة اليهود (يحرفون الكلم عن مواضعه) هذا عن تحريفهم لكلام الله فكيف بالتاريخ صناعة البشر؟
من هنا نبدأ نعم! لان الغرب هو مَن صنع (إسرائيل)، وهو بالتعاون مع الحِراك الصهيوني مَن اخترع كلّ من الأرض والشعب معا (يراجع شلومو زاند في كتابيه اختراع الشعب اليهودي واختراع أرض إسرائيل ، و يراجع فلنكشتاين في كتابه التوراة مكشوفة على حقيقتها ، ويراجع فاضل الربيعي في ما كتب عن يهودية الدولة ، وكذلك أحمد الدبش وفرج الله صالح ديب، وفي الرأي الجغرافي المقابل د.ابراهيم عباس وفراس السواح ود.زياد منى ود.علاء أبوعمار....الخ، وما كتبناه أيضا )
إن البعد السياسي و الاستعماري الاستكباري كان أهم بُعد من الأبعاد التي صنعت نكبة فلسطين لأهداف ما عادت غائبة عن العقل الحر:
1-
عمدت القوى الاستكبارية الاستعمارية إلى تفتيت الأمة العربية و الإسلامية، والقضاء على أي محاولة لتقاربها أوتضامنها أو وحدتها من خلال زرع هذا الكيان في فلسطين، وبالتعاون الوثيق مع الحركة الصهيونية ....
2-
هدفت ذات القوى منذ عصر نابليون وما تلاه للسيطرة على ثروات هذه الأرض، وعلى طرق التجارة، والأهم على عقول الناس في منطقتنا وتوجهاتهم وإبقائهم (واقناعهم بذلك) في خندق الجهالة والاستهلاكية والانبهار بالغرب والدونية له.
3-
إيجاد بؤرة توتر دائمة أصبحت بانتقال الاستعمار من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية تعرف بهدفين كبيرين هما (النفط وأمن "إسرائيل") ليس فقط لأنها القاعدة العسكرية – العلمية – التقنية الفكرية المتقدمة، وإنما لأنها الذريعة المستمرة للسيطرة اللامحدودة على هذه الأمة بكاملها.
4-
إن عقلية حروب الغرب اتجاه الشرق، أو عقلية الغزو والاستيلاء على أراضي و ثروات و مقدرات وعقول الغير لم تبارح الفكر الغربي الاستعماري (الكولونيالي الجديد) مطلقا وهو الغرب الذي أنتج فكره السقيم ما أسماه كذبا (الحروب الصليبية) وما هي إلا حروب استعمارية اقتصادية سياسية لم يكن للدين المسيحي فيها أي علاقة سوى علاقة الاستغلال والمطامع و التجييش للناس البسطاء في حروب لا ناقة لهم فيها و لا جمل .
5-
لم يتوقف العقل الغربي المكابر عند حد احتلال أراضي الغير بمنطق (استعمارها ) ما هو تدميرها واحتلالها واغتصابها، ولم يعجبه سعي الشعوب لنيل حريتها واستقلالها وبناء ثقافتها وحضارتها المميزة، فصنع مركبته الفضائية في سماء الأمة وموضعها حيث يقطع الصلات والحركة بين الناس والعقول، وحيث أعاد ربط الخريطة بشكل تعسفي بالجغرافيا التوراتية المزورة وشكل هو (قبل أن ينخرط معهم رجال الصهيونية) معاني الخلاص المسيحاني الموهوم و الأرض المكذوبة الموعودة في فلسطين.
طرد اليهود من أوربا فرحة المستكبرين
دهاقنة الغرب ذوي ذوو العقل الاستعماري الاستكباري الذي يأسف بعضه اليوم على المجزرة التاريخية التي ارتكبها، لم يقدم حتى الآن أقل القليل مما هو المطلوب منه عندما طرد الفئات من ناسهم التي دانت باليهودية من بلادهم في أوروبا، وعندما أدخلهم بالتعاون أو من خلال الحركة الصهيونية الغربية (المنشأ) في حروب مع و في بلادنا فلسطين بدعاوى فارغة لاحظ لها اليوم من الحقيقة أو العلم، إنما كانت حينها – ولدى من أجّر عقله اليوم- وكأنها تحصيل حاصل ، وعودة للأصول و المنابع .
إن طرد اليهود من أوروبا بعد قتل الكثير منهم، تحت ادعاء عودتهم لأرضهم المزعومة نكبة جديدة تضاف للنكبة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية – الغربية بحقنا ، وتضاف لمسلسل الاضطهاد الغربي الذي تواصل قرونًا ضد معتنقي الديانة اليهودية ، ما لم يحصل أبدا مع القبائل العربية التي اعتنقت اليهودية في بلادنا العربية والمشرق عامة.
إن عقلية (الحروب الصليبية) لدى المستكبِر و دهاقنة المستعمر الغربي أشعلت لهيب نصوص التناخ المزورة ، وأعادت بناء الأساطير و الخرافات بقتل الآخر بعد انكاره و سلب أرضه على أنها عمل مقدس، وكانت الحركة الصهيونية نتيجة بيئتها الغربية التي افترضت الخلاص بعيدا عن مضطهديهم طوال قرون، في تسويغ ديني – تاريخي-أسطوري لطرد الأخر على اعتبار هذا الفعل عمل مقدس.
الصراع الامبراطوري برداء ديني
بلا شك أن الصراع الغربي (الممزوج بالدين) مع الشرق العربي (الممزوج بالدين) قبل تشكل الدول القومية والوطنية كان عنوانه الدين ظاهرًا وباطنه بناء الإمبراطوريات والتحكم في رقاب الناس وتحقيق السيطرة والغلبة فلم يكن الآخر (المختلف دينيا أو قوميا) ليعني شيئا إن لم يستكين ويلين وينكس رأسه ويخضع خضوعا مذلا، إذ أن السيف أو المدفع كان الحل عند الممانعة والمقاومة و الرفض ما لم تقبله أبدا العقلية الاستعمارية الاستكبارية المتشبعة بالفكرة حتى اليوم من الشعوب المضطهدة .
إن انتقال الصراع من حالة الصراع الديني إلى الإمبراطوري-التوسعي إلى الاستعماري المباشر إلى استعمار العقول اليوم ، هو تطور فرضته المتغيرات الإنسانية والتقانية و الفكرية، وظل معلمها الرئيسي هو تحقيق الهيمنة والسيطرة و التحكم و السلب و الاستئثار وفق المعادلة الحاكمة في العالم اليوم حيث أن 80 % من ثروات وخيرات العالم يتحكم بها 20% أو أقل ، ولدوام مثل هذه المعادلة المختلة أيضا وجدت (إسرائيل)، ودون كثير من الإغراق في الأبعاد الاستعمارية الإستكبارية السياسية التي أنشأت دولة (إسرائيل) في أرض فلسطين.
إننا في هذا الإطار من الممكن أن نلاحظ عبر التاريخ ومنذ أواخر القرن 19 مدى الوعي الذي تمتع به مثقفو العرب، والفلسطينيون باتجاه التنبيه لخطورة الغزو الاستعماري الغربي ، والاستعماري – الصهيوني لاحقا، إذ لم يتوقف أهل فلسطين عن تقديم العرائض ضد الغزو الصهيوني لمجلس المبعوثان العثماني، ولم يتوقفوا عن الكتابة محذرين من مخاطر نشوء كيان غريب في المنطقة ليصعّدوا مقاومتهم لاحقا على شكل هبات و انتفاضات وثورات وصولا للثورة الفلسطينية الحديثة انطلاقا من العام 1965.
البُعد الأخلاقي الإنساني في النكبة
-
في البداية روّج الصهاينة و الغرب أن معتنقي اليهودية الأوروبيين أساسا يستوطنون أرضا ميتة لا شعب فيها ، وانطلت الحيلة الغربية على الكثيرين، ولما فوجئوا بشعب واعي عظيم كان قد أقام دولته العربية الأولى منذ ملك الجليل ظاهر العمر الزيداني في القرن 18 ميلادي لم يكن لهم لتغطية جريمتهم إلا بمزيد من الجرائم اللاأخلاقية عبر التقسيم لفلسطين فيما أصبح لاحقا (النكبة).
-
كما قتل الغربيون يهود أوروبا (وأيضا كما نكّلوا بالمسلمين و بمخالفيهم من المذهب المسيحي) وأهل البلاد التي استعمروها تحت دعاوي عدة ، لم يكن مفاجئا ولا مستغربا على أصحاب هذه العقلية إن يستبيحوا الأراضي والثروات و الشعوب الأخرى فيصيبون عصفورين بحجر واحد يتخلصون من اليهود الأوروبيين وينكبون العرب والمسلمين فتنكسر شوكتهم إلى الأبد، ويجعلون كلا المضطهدين بمواجهة بعضهم البعض.
-
أتقنت الحركة الصهيونية الحرب والاضطهاد والإنكار للآخر، ومارسته بأمانة و لا أخلاقية خدمة لأهدافها وللغرب ، وبانصياع لاحق للتعليمات والأوامر الكهنوتية التي تتيح قتل الأخر في استعادة لأحداث تاريخية انتهت وحدثت في زمانها ومكانها البعيد عنا، وإسقاطها بشكل عبثي ( ما بها من نبذ و قتل و طرد و استيلاء ......) على أرضنا و شعبنا ، وكلما زاد معدل قوتهم كما هو حاصل مع اليمين الإسرائيلي اليوم زاد عمق التمسك بالرواية التوراتية المنقطعة لوقتها فقط ، وزاد الاقتباس منها ما لا يتفق مع عقل أومنطق أو ديمقراطية أو مدنية أو أخلاق.
-
شكل التحالف الاستعماري – الصهيوني تعاضد إرادتين كان ضحيتها الشعب العربي الفلسطيني الذي تم تبرير قتله وطرده من بلاده بأضاليل تناخية (توراتية)، وبتحركات سياسية عالمية صاخبة، وبدعم اقتصادي هائل، و باعتراف دولي معوج، أو في سياق ادعاء (التحرير) من المواطنين أصحاب الأرض ، فنشأ في كل ذلك متلازمة الضحية الأبدية وهي (اليهود) مع الاستخفاف بآلام ونكبة الآخرين وهم (الفلسطينيون).
لقد سقط البعد الأخلاقي الإنساني كليا مع استعمار فلسطين واحتلالها وقتل وتشريد أهلها ،وتلاشت الإنسانية وقحطت الأخلاق وسدت أمامها الدنيا فلم يرى الغرب (أولئك الدهاقنة ذوي الفكر الاستعماري الاستكباري) إلا ما أسس له و سعى ، وما أورثه للعالم من ترهات و أكاذيب سرعان ما أصبح نقضها وكأنك تعبث بالمقدس وتتجاوز "حقائق" التاريخ فشطب الشعب الفلسطيني أو كاد أن يشطبه ضمن مقولة (الكبار يموتون و الصغار ينسون) لولا ثورات الرواد منذ مطلع القرن العشرين وصولا لسواعد الأبطال في انطلاقتهم المظفرة عام 1965 التي ما زالت شوكة في حلق الاستكبار الاستعماري المتحالف مع الصهيونية الغربية ومولودها الجديد اليوم ممثلا باليمين الإسرائيلي الإرهابي .
البعد التاريخي للنكبة
إن البعد التاريخي الروائي للنكبة يتجدد اليوم ليظهر في ثوب السياسة الفضفاض، وليتمحور حول ادعاءات "يريدون فرضها كحقائق" تتمثل بشقوق ثلاثة :
أولا بإقناع العالم بالشعارات والمرويات الصهيونية-التناخية القديمة والحديثة، وثانيا بأسطورة "شعب إسرائيل" العائد من المنفى إلى وطنه،
وثالثا بانطباق جغرافيا فلسطين على التاريخ القديم.
بالشق الأول تظهر التحريفية والأباطيل من خلال سبعة أكاذيب أساسية يرددها كثير من الساسة الإسرائيليون والغربيون المستكبرون فيما هو سياق تناخي (التوراة و ملحقاتها) في عبارات ومصطلحات :
1-حرب "التحرير" الصهيونية،
و2-العودة لأرض الأجداد ما يؤصلونه بقانون الهجرة إلى فلسطين لأي يهودي من أي عرق في العالم،
و3-الوعد الإلهي المكذوب لهم بالبلاد، وكأن الله مسجل طابو،
و4-يهودية ونقاء الدولة المستمدة فكرا من ثقافة نفي الآخر وقتله وعدم الاعتراف بوجوده أصلا،
و5-ادعاء ممالك/إمارات/مشيخات موهومة في "يهودا والسامرة"، التي ليست هنا، وقامت هناك وبادت، وهم أصلا لا يمتّون لها بصلة بل هي ممالك عربية ، وما يترافق معها
من 6-إدعاء إقامة ما يسمونه "الكومنولث الثالث" على أنقاض القدس والمسجد الأقصى، حيث أن "الهيكل الأول والثاني أصلا ليس هنا
وسابعا أكذوبة "الشعب" وأكذوبة "الشعب المختار" ، فلم يكن هناك شعب "يهودي" مطلقا، بل قبائل متعددة، وما اختير بني إسرائيل القبيلة المنقرضة-الذين اليوم ليسوا منهم مطلقا-إلا بأن خصهم الله واختارهم وفضّلهم بمهمة حمل الرسالة الإسلامية رسالة الأنبياء، (وليس لجنسهم أو عرقهم أو قبيلتهم) ولم يصونوا الأمانة وما أولئك بذوي علاقة بمن يسكن فلسطين اليوم ...
والشق الثاني هو فشل محاولاتهم لموضعة الأساطير التناخية على جغرافيا فلسطين التي ثبت بالدليل القاطع علميا وآثاريا إن ما صح منها من روايات -في كثيرها محرف- وإن حصلت فهي في مسرح جغرافي آخر من بعيد جداعن فلسطين.
وفي هذا الصدد يأتي الإنكار الإسرائيلي الشديد اليوم لصناعتهم "للنكبة" حيث الخشية الشديدة من تبعاتها المتعلقة باللاجئين، ويهربون إلى أساطير التوراة تارة.
كما يهربون لقضايا نظرية وتفسيرات معوجة مقصودة تارة أخرى لغرض أوحد هو استمرار الاحتلال ونسف الذاكرة.
واليكم ما قاله نتنياهو كنموذج خلال جلسة الحكومة الأسبوعية (18/5/2014) حيث زعم ( أن من يرى بإقامة "إسرائيل" نكبة وكارثة غير معني بالسلام.)
أما الحقيقة الثالثة أو الشق الثالث فهو إن (إسرائيل) اليوم لا علاقة لها مطلقا بإسرائيل ، أو ببني إسرائيل القبيلة الصغيرة العربية المنقرضة، كما لا علاقة لها البتة بأرض فلسطين التي سكنها العرب منذ فجر التاريخ على كافة أديانهم و قبائلهم، ولم يسكنها غريب أبدا أكان روميا أويونانيا أوغيره ، إلا كان مصيره أن اندحر أوأصبح عربيا.
وما صناعة (إسرائيل) اليوم إلا لتحالف الحركة الصهيونية مع الغرب الفكر الاستعماري، وأيضا نتيجة سلبية للانشقاق الكنسي في أوربا، وما تلاه من تشبع بالرواية التوراتية عبر مفسري التوراة الغربيين المتشبعين بالعقلية الاقصائية الاستكبارية الذين صمموا بناء جديد منذ القرن التاسع عشر يشير لفلسطين كموطن مخترع للاسرائيليين، ويعمل على الربط التعسفي بين مرويات التوراة الأسطورية وحلم العقل الأوربي الاستعماري المريض بطرد اليهود من أوربا وموضعتهم في فلسطين.
نحن أمام النكبة اليوم
نحن أمام نكبتنا اليوم نعاني نكبات عدة في حقيقة الأمر
أولاها المستمدة من تهجيرنا و تشريدنا ولجوئنا بعيدا عن أرضنا و ديارنا وذكرياتنا و أحبائنا ، وتلك
الثانية المتمثلة بتفتتنا و بعثرة جهودنا و تفرقنا ،
وثالثا نكبتنا في فكرنا وروايتنا وعقلنا الذي ما زال في غالبه مأسورا للسياسة الغربية و المصالح الاستكبارية و الأهداف الصهيونية والرواية التوراتية الأسطورية المشبعة والمحترمة-للأسف- في سجلاتنا العربية الإسلامية.
ونكبتنا الرابعة بعدم قدرتنا على تجاوز المستقرّ القديم الآسن لننطلق للهواء النقي والفكر المستنير ما دعانا له السيد المسيح ، وما دعانا له القرآن العظيم،
أما نكبتنا الخامسة فهي بانكسار القلم و السيف واختفاء الكتاب.
إن النكبة العربية و النكبة الإسلامية و النكبة الفلسطينية اليوم تحتاج لعمل وجهد وتعب، كما تحتاج لفكر و عقل ورؤية هي أيضا بحاجة لبحث و تأمل وفحص ودرس إذ أنه بدون العقول المثقفة و المستنيرة والمنفتحة والمؤمنة والجادة لا أمل يرجى وبدون العلم مقابل الأمية و الجهل لا مستقبل وبدون الأيدي المكافحة لا تغيير و لا يحزنون، بل حزن ومجون.
إننا فلسطينيا – وعربيا بحاجة لتكثيف نضالاتنا وتمتين إصرارنا وجعل فلسطين في دمنا و عروقنا، في أنفاسنا ومُقل العيون من خلال الإيمان أولا بالله سبحانه و تعالى وبأننا بإذن الله منتصرون وبحقنا، و فلسطيننا وروايتنا وبحقيقتا، إذ لا عمل مثمر بلا إيمان راسخ و قناعة أكيدة يسددها العمل المخطط و المنظم والمبرمج.
إننا بحاجة لثورة في العقل في البدء وفي آليات التفكير والتأمل و النظر، فالقوالب القديمة بالية متساقطة وكل جديد يعد بجديد آخر ، وكل إضافة تَعِد بنظره مختلفة، وكل بداية صحيحة حتما ستجرنا لنتيجة مثمرة .
إن ثورة العقل العربي في أسّها انقلاب على القديم الفاسد ممثلا بروايات و أساليب بحث وعمل، وطرق نظر وزوايا تفكير وأشكال استنهاض لا غنى عن تغييرها لنرتقي ونتطور ونتقدم .
نضع نصب أعيننا فلسطين فنتقدم ، أما إن وضعنا مصالحنا الذاتية أوالحزبية أو الفئوية مقدمة على ذلك فنحن حتما ننعزل ونتقوقع وننحدر ويغلبنا الآخرون ، ونضع نصب أعيننا فلسطين فقط لا القائد (س) و لا القائد (ص) فنسمو ونعمل ونبتسم ونغضب وننتفض فقط لفلسطين فتصبح المقاومة الشعبية فعلا يوميا ومنهج حياة في شربة الماء وكوب الحليب وحبة البندورة و لبن الجنيدي و الصابونة النابلسية ونظرة الغضب الشعبي في وجه المحتلين.
لا بد من تعميق فعل المقاطعة الاقتصادية في الداخل والخارج ، عند العرب كما عند الأوروبيين، فمن قال إننا أمة عاجزة هو العاجز المستكين الذي لا يريد بذل أي جهد، ومن قال أننا لا نعرف (الجودة ) هو الرديء العقل الاستهلاكي المسعى.
في السياق القانوني لا بديل لنا عن المقارعة بسيف الشرعية الدولية والانضمام لكافة المؤسسات والمعاهدات الدولية التي تكرس فلسطين دولة مستقلة عضو مراقب ثم عضو عامل في الأمم المتحدة
تخوض القيادة الفلسطينية معركة سياسية دبلوماسية نرى في استمرارها ضمن مبادئ أهمها رفض المعروض الإسرائيلي وعدم الانحناء للقليل الأمريكي ورفض الانصياع بالوعود الكذابة، وعدم تقبل تخرّصات (نتنياهو) والتسلح بالشعب و الوحدة الوطنية وبرنامج العمل المشترك فلسطينيا و عربيا و إقليميا.
إن السعي الوحدوي هو تحديد لمصير ، ورسم لمستقبل منير لا يمكن أن تطفئه مناورات الإسرائيليين والامريكان وخداعهم إذ لا جدال على متانة الموقف – مع تعدد الآراء ووجهات النظر – متى ما كان الصوت واحدا في مواجهة العدو .
فلكم المجد يا أبناء فلسطين ويا أبناء الأمة، إذ بوحدتنا تخرس أصوات الضلال ، وبعروبتنا وامتنا الإسلامية وسياقنا المسيحي تسير قاطرتنا .
مهما قلنا عن العقل و الوعي والإدراك فان تلويثه قد تم، منذ القدم، لذا وجب تطهيره بإعادة بناء الفكر وزوايا النظر والتجدد والإبداع، وبناء الرواية الصحيحة بتخليصها من الروايات المكذوبة ومن هنا تنطلق العاصفة .