Facebook RSS
ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ رسالتنا ارسل مقالاً اتصل بنا

نتياهو الفرِح المتغطرس

لم يستطع المحتل نتنياهو أن يكتم فرحه، ولا أن يكتم سعادته ، فعبر عن شكره للجميع ممن حضروا الحفلة أي حفلة الخديعة الكبرى، التي للأسف حضرها بعض العربان الذين لن يكونوا الا هوامشا ومن قعر الأمة.

لم يستطع المحتل "نتنياهو" أن يتحمل بعض الالوان والأصباغ التي وضعها "ترامب" على كلماته الباهتة تجاه الأمة وفلسطين محاولا استمالة العالم أو الفلسطينيين بمعسول كلماته فارغة المضمون، فأشرق وجه "نتنياهو" المغبر معلنا النصر ومعددا المنح والعطايا التي تلقاها من يد سلطان العالم -الموهوم بعظمته الشخصية- كي لا يفهم أحد أن هناك تنازلا او شبه تنازل لاولئك المتسمين العرب الفلسطينيين!

قال "نتنياهو" بوضوح (أننا أخذنا كل المساحة، وأخذنا شرعية المستوطنات وسنستمر بها، وأخذنا ضم غور الأردن في بلادنا في يهودا والسامرة وكنا قد اخذنا أن لا لاجئين وأن القدس عاصمة اسرائيل….) وغيرها من العطايا السلطانية.

مستقبل مجتمعاتنا في يد "لورا".. هل الأسرار خطيرة حقاً؟

نشر بتاريخ: 2020-01-25

تتفقُ المعاجم العربية على أنّ السرّ، "هو كل ما نكتمه ونخفيه"، ولكن ما لم تُشِر إليه المعاجم، أنه لا بدّ من اجتماع عاملَي الخوف وعدم الثقة كي يتواجد السرّ؛ فمنذ البداية يحمل السرّ طابعاً مأزقياً لمن يبوح به ولمن يحمله؛ فهناك شيءٌ خطير يجب ألّا يعرفه أحدٌ، وكتمان السر، بحسب الدراسات النفسية الحديثة، ينشّط المراكز العصبية الحسيّة الحركيّة الخاصة بالجهد البدني ويحفّزه، لذا فمشاعر القلق والخوف والكبت الناجمة عن هذا الكتمان، تتسبب بأعراضٍ كثيرة يعاني منها الفرد؛ كالتعب والإرهاق وضيق النفس وعدم انتظام دقات القلب والتوتر العام، والتي يصطلح الطب العام على تسميتها بالأمراض (النفس جسميّة)، ولكن هل حقاً الأسرار بهذه الخطورة؟

الرقابة المتطرفة التي يمارسها المجتمع على الفرد تضعه تحت التهديد المباشر وتدفعه إلى الاغتراب عن ذاته وفي ذاته

قد لا يبدو السرّ خطِراً ما لم نعترف بالرغبة المُلحّة في نبشه ومعرفته؛ فالجاذبية التي تغلّف الأسرار، تتناسب طرداً مع حجم الإغراء المتولّد عنها، لذا يصبح كتمانها أصعب كلما ازدادت خطورتها، وهذه الصعوبة تتأتّى من التهديد المباشر الذي يمكن أن تحمله الأسرار، خاصة في المجتمعات المغلقة؛ فالحظوة التي ينالها السرّ في مجتمعاتنا، والمبالغة بشأن أهميته، تكشف بنية وعيها التي تقوم على (ما خفي كان أعظم)، وهذا ما قد يفسر جزءاً من غياب الوضوح والشفافية عن علاقاتنا، وعدم إمكانية الانفتاح على الآخر وقبوله؛ فالرقابة المتطرفة التي يمارسها المجتمع على الفرد، والتي تضعه تحت التهديد المباشر، من شأنها دفعه إلى الاغتراب عن ذاته وفي ذاته؛ حيث تتهيأ سيكولوجيا الفرد لقبول وإنتاج العنف والتطرّف.

اقرأ أيضاً: ماذا ستطلب لو التقيت بجنيّة الأمنيات؟

ويمكن لتقصّي الأسرار في عالم الأطفال، أن يكشف بوضوح عن المفاعيل التي ينتجها السرّ وكتمانه؛ إذ إنّ مجموع التابوهات النشطة، التي ترافق الأسرار، تلقي على الطفل تبعات الكبار، فنحن نساهم من حيث لا ندري بقذف أطفالنا خارج طفولتهم؛ حيث تُشكّل لهم هذه التبعات، التي لا يستطيعون تحملّها، مصدر قلقٍ وخوف دائمين، وهذا بالضبط ما تمكّن الكاتب "بيدرو بابلو ساكريستان" أن يقصّه علينا عبر قصته "هرباً من الأسرار".

اقرأ أيضاً: بماذا حشونا وسائد نوم أطفالنا؟

"في بلد المفاجآت، كان الصغار والكبار دائماً يحضّرون المفاجآت بحماسٍ لليوم الكبير، وحين تنكشف المفاجآت، يملأ الجميع فرحٌ غامرٌ، ولكن على الضفة المجاورة للقرية، كان سيّد الصمت يشعر بالغيرة من سعادتهم، فقرر أن يقوّض هذه السعادة باستخدام أسوأ أسلحته (الأسرار)، والأسرار ـــ كما يروي الكاتب ـــ شديدة الشبه بالمفاجآت، ولكنها تكره الأعياد والأفراح، كما تكره الخروج من مخابئها، تتنقل متخفيّة، وتتسلل إلى القلوب مستخدمة أفضل حيلها (الخوف)، لتجعلنا نعتقد بحدوث أمورٍ رهيبةٍ إذا انكشفت.

اقرأ أيضاً: صخرة سيزيف.. العقوبة التي ورثتها مجتمعاتنا
تمكنت أشباح سيد الصمت من ملئ القرية بالأسرار، وحين لم يبقَ طفلٌ إلا وقبض على قلبه سرٌّ، جفّت المفاجآت، ولكنّ لورا الطفلة الصغيرة التي شعرت بأنّ قلبها الصغير أخذ يضمر ويزداد حزناً، قررت أن تتغلب على خوفها الذي لم تعد تحتمله، فباحت لأمها بالسرّ علّها تساعدها، طار السرّ إلى قلب الأم وبمجرد ملامسته لقلبها، انفجر السرّ إلى ألف قطعة محرراً الطفلة، وحذا بقيّة الأطفال حذوها، فتشظّت أسرارهم وتحرروا من الخوف، وأرغموا زارعي الأسرار على الهرب إلى مملكتهم المظلمة".

إنّ الأنظمة والعقائد المتفسخة التي تحكمنا هي من حوّلت الوضوح إلى أسرار وأجبرت المجتمع على التنازل عن النور

هذه القصة التي تحمل بين تضاعيفها بعداً تربوياً يشجع الأطفال على البوح لذويهم بأسرارهم، قوبلت بسخرية مبطنة حين قرأتها لأطفال بعمر 13 عاماً، كما فجّرت نكاتاً مؤلمة فيما بينهم؛ "إذا حذوت حذو لورا فليس سرّي من سينفجر إلى ألف قطعة، بل أنا من سيحولني أهلي إلى ألف قطعة"، "إذا حذوت حذو لورا فسوف تجدون مقعدي فارغاً في الدرس القادم"، "إذا حذوت حذو لورا فإنّ الأغصان اليابسة ستمنح جسدي الاحمرار بدل احمرار المدفأة"، "إذا حذوت حذو لورا سأحلّ بديلاً عن ممسحة المنزل"، المؤلم في هذه النكات أنّها واقعيّة، تعكس عدم الثقة المتبادل في أغلب أسرنا، فبدل أن تكون الأسرة ملاذاً نفسياً آمناً للطفل، فإنّها تلعب دوراً سلبياً يقوّض الدعامات التربوية، ويساهم في جرّ الطفل إلى انحرافٍ ما.

اقرأ أيضاً: الطفولة المقيّدة أمام عدسة المثاليات

تفعل الأسرار فعلها دائماً؛ إنّها تقبض على القلوب الصغيرة وتعيق تفتّحها، فالخوف الذي تؤصّله فيها، يجعل من الظلمة مستقبلاً إجبارياً لهم، ويجعل الخفاء مسرح الوقائع، وكل ما سيدور في هذا الخفاء، يترك بصمات العنف وراءه، هناك سيلعب تراجع التحصيل العلمي والإخفاق والتنمّر والانتحار والتحرّش الجنسي، الأدوار الرئيسة، وسيشكّل المسكوت عنه الجانب الأقوى في مجتمعاتنا، ففي ظلّه وتحت مسميات شتى، ستحدث الكثير من الجرائم، وسيفلت الجُناة الحقيقيون من العقوبة دائماً، مجتمع الأسرار ماءٌ آسن، يسمح لجميع الطفيليات والعوالق والطغاة بالنمو والازدهار.

الصيحات التي ضجّت بها مجتمعاتنا وخرجت على المسكوت عنه هي لورا التي لم تعد تحتمل الخوف وما يجرّه

إنّ الأنظمة والعقائد المتفسخة التي تحكمنا، هي من حوّلت الوضوح إلى أسرار، لقد أجبرت المجتمع على التنازل عن النور، بينما بذرت في ظلمته الخوف والفقر والمرض؛ فالأطفال الذين تهكّموا على قصة "هرباً من الأسرار"، ونكاتهم التي عبّرت عن توقعاتهم بردود أفعال ذويهم على أسرارهم، تتقاطع مع ما كان ينتظر حناجر المحتجّين في مجتمعاتنا، فجذور التسلّط متشابهة، وإن اختلفت فهي تغذي الخوف عينه دائماً، نعم هناك حناجرٌ قُطعت، وجلودٌ سُلخت، ولكنّ هناك رغبة عارمة بالبوح، لم تسمح للعتمة أن تحجب عنها الضوء، فالصيحات التي ضجّت بها مجتمعاتنا وخرجت على المسكوت عنه، هي "لورا" التي لم تعد تحتمل الخوف وما يجرّه، ومع أنّ هذه الصيحات لم تجد كـ"لورا" قلباً يفجّر أسرارها إلى ألف قطعة، لكنّ هذا لم يجفف صوتها.

إذا كان السرّ هو المرادف الفعلي للتكتم والإخفاء، فإنّ الوضوح الذي يقف على نقيضه، هو الدرس الأول في تلقّي الحياة؛ فالشجاعة والثقة اللتان تسفران عنه، هما السمتان الأبرز في بناء الشخصية المستقلّة، واللتان بدورهما تؤسسان للاختيار الحرّ، مما يجعل من أيّ تجربة إنسانية فضاءً مفتوحاً على الإمكان والوفرة، ومن المسؤولية الفردية شرطاً لازماً من شروط الحرية، وسيصبح الحق في التعبير فضاء الاختلاف الجامع، وعلى هذا الغصن سنتمكن للمرة الأولى من رؤية ثمار الاختلاف تزهر، ولن يقطع الخوف أنفاسنا ونحن نسير تجاه أنفسنا، وعندما نبلغ أنفسنا سنبلغ الحياة.


أدونيس غزالة
Developed by